لو حدث وأنت تسير في الشارع أن سمعت جملة باللغة العربية الفصحى، فإنك ودون شعور ستلتفت إلى مصدرها، لأنه شيء غريب سيشد انتباهك وفضولك، بعدما أصبحت اللهجة الدارجة الممزوجة بالفرنسية، هي الطاغية في أحاديث الناس، سألت "الاتحاد" بعض الشباب عن سبب إغفالهم للعربية الفصحى في حديثم، وتفضيل أغلبهم بل واجتهادهم في انتقاء كلمات فرنسية، فنفت "نورة" ذلك وقالت "بالنسبة لي لا أتباها أبدا بلغة من قتل وشرد أجدادي وأبناء بلدي، وإنما أعتبرها طفرة ورثناها أبا عن جد، وتبقى هذه من مخلفات وأهداف الإسعمار، وللأسف الشديد لا زالت قائمة"، وقد قاسمتها "فتيحة" نفس الرأي "لقد كانت من أهداف المستعمر الغاشم، لكن في الحقيقة لم نرثها عن أجدادنا، لو كان أجدادنا مثل هذا الجيل لمازلنا مستعمرين أو أصبحنا فرنسيين الآن"، أما من يتباهي باللغه الفرنسية على حساب العربية فهم يعتبرونه مظهر للثقافة وعلو المرتبة على حد قولها، وأضاف "عبد القادر" بعدما أقر بأن هذا المظهر تفشى في مجتمعنا "المشكل أنهم يرتكبون جرائم في حق لغة المستعمر من حيث لا يدرون" معتبرا أن من لا يجاريهم فهو متخلف في نظرهم، أما "صونيا" فذهبت إلى أبعد من ذلك، "إذا كان المستعمر خرج من الأرض فهو لم يخرج منهم، شعبنا مستعمر فكريا والدليل أنه لا يثق في أي منتوج ماعدا منتوج فرنسا" مشيرة إلى أنه فيروس يسري في دمائننا وسنورثه للأجيال القادمة، وفي تفسيره لهذه الظاهرة، وصفها "أمين" بالداء الذي ينخر هويتنا الأصيلة ويحاول طمسها، معتبرا ذلك مخطط استعماري، "أصبحنا اليوم نجتهد من أجل إتقان الفرنسية لا من باب أن نأتمن شرهم ولكن لنظهر أننا متعلمون ومثقفون ويا لها من ثقافة! طلابنا يناقشون مذكرات تخرجهم باللغة الفرنسية، المسؤولون يعقدون اجتماعاتهم ويصدرون قراراتهم ويخاطبون موظفيهم بالفرنسية، ونحن الطبقة البسيطة نبذل كل ما بوسعنا من أجل إدراج ولو كلمات فرنسية مكسرة في محادثاتنا" ، وبنبرة مملوؤة بالحسرة، أضاف "إن كانت فرنسا تعاقب كل من يحرر وثيقة بغير اللغة الفرنسية بطرده من وظيفته، فإننا وللأسف الشديد نشفي غليلهم بملأ الاستمارات المكتوبة باللغة العربية بالفرنسية، ونبرمج كل أجهزتنا من حاسوب وهاتف نقال وغيرهما باللغة الفرنسية والشاذ منا من يفعل ذلك بلغة القرآن الكريم"، فإن كانت فرنسا تنفق أموالا ضخمة -ولها الحق في ذلك- من أجل نشر لغتها في بعض الدول العربية والإفريقية فإننا الجزائريون نوفر عليها ذلك، وسعداء بالتنازل عن هويتنا العربية من أجل أن نوهم أنفسنا بأننا متعلمون ومثقفون لكننا في الحقيقة جهلة وأحياء أموات لأننا ضربنا عرض الحائط ما ضحى من أجله أمواتنا الأحياء "الشهداء" وشتان بين الاثنين، ولقد أخذتني هذه النشوة العربية لأنني ربما لا أحسن الفرنسية ولو كنت كذلك لكان لي ربما حديث آخر..، ننتظر مزيدا من الآراء.