كشف السيد محمد بن مرادي، مدير أملاك الدولة بوزارة المالية، أن قضية الأملاك التي خلفها الاستعمار الفرنسي، ورعاياه بالجزائر سابقا، قضية سياسية بالدرجة الأولى، ينبغي أن تحل دبلوماسيا بين الجزائر وباريس. وأكد بن مرادي في حوار خص به "الشروق اليومي "، أن الحملة التي تتعرض لها الأملاك الوطنية اليوم، والتي كانت مملوكة لمعمرين، سببها عدم اضطلاع الإدارة المحلية الجزائرية بمهامها، والتي في مقدمتها اتخاذ إجراءات نزع الملكية عن الفرنسيين، الذين غادروا البلاد بعد الاستقلال. كيف عالجت الدولة الجزائرية مشكلة الأملاك الشاغرة التي خلفها المعمرون بعد هروبهم من البلاد؟ بن مرادي : هناك إطار قانوني وهو عبارة عن أمر يحمل الرقم 62 020 صادر في أوت من سنة 1962، موقع من قبل الهيئة التنفيذية المؤقتة في ذلك الوقت، تحت قيادة عبد الرحمان فارس، والمفوض بالشؤون الإدارية، أ. شنتوف، والمفوض بالشؤون المالية، ج. مانون، والمكلف بالشؤون الاقتصادية بلعيد عبد السلام. وقد حدد هذا الأمر كيفيات الإعلان عن شغور الممتلكات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، وكيف يصرح بها أملاكا شاغرة. غير أن هذا الأمر لم يكن مفصلا بما فيه الكفاية. لكن الشيء الذي كان معروفا، هو أن عملية الشغور كانت من صلاحيات الولاة. وقد حددت المادة الأولى من هذا الأمر الشروط التي يجب توفرها في أي عقار قبل إعلانه شاغرا، في هجران العقار من قبل مالكه الشرعي، لمدة شهرين على الأقل من دون تبرير مقبول. وكلفت المادة الثانية من الأمر ذاته الولاة بعد شهر من صدور هذا الأمر في الجريدة الرسمية للدولة الجزائرية، بحماية العقار المهجور، وذلك بإصدار الأمر بحالة الشغور، حتى يتم إلحاقها بأملاك الدولة الجزائرية. غير أنه وبالنظر إلى الظروف الصعبة التي كانت تمر بها البلاد في ذلك الوقت، نظرا لكونها خرجت لتوها من نير السيطرة الاستعمارية، وبالنظر إلى النقائص التي تضمنها الأمر رقم 62 020، أصدرت الدولة الجزائرية، بعد أربعة أشهر، مرسوما جديدا، يحمل الرقم 63 88 بتاريخ 18 مارس 1963، لضبط حيثيات التعامل مع الأملاك الشاغرة، ويتعلق على وجه الخصوص، بالشركات والمؤسسات ذات الاستغلال الصناعي والتجاري، والصناعة التقليدية، وتلك التي تنشط في المجال المالي، والمنجمي والفلاحي، حدد بدقة ماهية الأملاك الشاغرة، كما جاء في المادة الأولى من هذا المرسوم، والتي حددت حالة شغور هذا النوع من الممتلكات، في توقفها عن ممارسة نشاطها بدون مبرر مشروع. والهدف من إصدار هذا المرسوم، هو حرص السلطة الجزائرية الفتية في ذلك الوقت، على بقاء الشركات والمؤسسات والمصانع، وكل الشركات ذات الطابع الصناعي والتجاري، .. تمارس عملها بطريقة عادية، بعدما لمست توجها ونية لدى مالكي هذه المؤسسات في الهروب من الجزائر، بسبب الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها منظمة الجيش السري "، وما خلفتها من تداعيات على مصير ما يقارب مليون أوربي يقيم بالجزائر في ذلك الوقت. لكن وبالرغم من الترسانة القانونية التي تم إصدارها في ذلك الوقت، غير أن ذلك لم يؤدي إلى معالجة حقيقية وسليمة لهذه الظاهرة، الأمر الذي كان سببا في عودة البعض من الأقدام السوداء للمطالبة، بما يقولون إنها ممتلكاتهم؟ ينبغي الإشارة إلى نقطة مهمة، وهو أن الأمر الصادر في سنة 1966 والذي يحمل الرقم 66 102 ، أكمل النقائص المتعلقة بالأملاك الشاغرة، وقد سويت في هذا الإطار الآلاف من حالات الأملاك الشاغرة، ومنها على وجه التحديد تلك ذات الطابع الاجتماعي (السكنات)، التي أصبح يقطنها جزائريون، كانوا يؤدون مستحقات الإيجار لدواوين الترقية العقارية، وهذا النوع من العقارات، بيعت أغلبيتها الساحقة في سنة 1982 ، لمستأجريها من قبل دواوين الترقية العقارية. غير أنه وبالمقابل، بقيت هناك عمارات وسكنات، لم تكن تسيرها دواوين الترقية والتسيير العقاري، وكان البعض من قاطني هذه السكنات، يملكون توكيل من قبل مالكيها الأصلين من الفرنسيين وغيرهم من المعمرين السابقين، كما كان هناك أيضا، عمارات كان يقطنها فرنسيون لم يغادروا التراب الوطني بعد الاستقلال، غير أنهم وكلوا جزائريين للقيام مقامهم فيما يتعلق بتلقي مستحقات الإيجار، وتحويلها لهؤلاء الفرنسيين. نحن في مصالح أملاك الدولة، ننسق مع مصالح الأجانب الموجودة على مستوى الولايات، للقيام بالتحقيقات اللازمة بالتعاون مع الجهات المختصة، والتي من بينها مصالح الضرائب، للتأكد مما إذا كان هؤلاء الفرنسيين الذين يطالبون اليوم بما يزعمون أنها ممتلكاتهم، قد احترموا القوانين التي أصدرتها الدولة الجزائرية في مرحلة ما بعد الاستقلال، ولم يغادروها، كما نسعى للتأكد مما إذا كانت البنايات المتنازع عليها لم يصدر بحقها أمر بالشغور، ولم تلحق بأملاك الدولة. لا شك أنكم وقفتم على قرارات طرد من عقارات في قلب العاصمة، استنادا إلى قرارات قضائية جزائرية لصالح معمرين سابقين، كيف تعلقون؟ هناك أطر قانونية تحكم ما خلفه المعمرون السابقون. أعتقد أن الإطار القانون الذي يضبط التعامل مع هذه القضية، متوفر بما فيه الكفاية، لكن المشكل يكمن في عدم تطبيق هذه القوانين في وقتها. ما ذا تقصدون؟ لقد أكدت القوانين السالف ذكرها أن أي عقار يهجر لمدة شهرين، يلحق بأملاك الدولة، إذا لم يقدم مالكه الحقيقي، أسباب هجره له. وفي هذه الحالة خول القانون للوالي صلاحية إعلان حالة الشغور، التي يترتب عنها فقدان مالك العقار لحقه في ملكيته. غير أنه وبالرغم من عشرات الآلاف من الحالات، لم الولاة في ذلك الوقت بإصدار حالة الشغور، في وقتها الأمر الذي استغله اليوم من بقي من المعمرين محتفظا بملكيته لعقار ما، على الوثائق، من أجل العودة للمطالبة به. وكيف تتعاملون مع هذه الحالات إذن؟ ما نقوم في مثل هذه الحالات، هو البرهنة للقاضي بأن القضية هي سياسية بالدرجة الأولى، ينبغي معالجتها في إطار دبلوماسي بين الجزائر وباريس، لأن اتفاقيات إيفيان، التي قننت خروج الاستعمار الفرنسي من الجزائر، لم تتضمن ما يشير إلى طرد الفرنسيين وغيرهم من الأوربيين ممن كانوا يقيمون بالجزائر إبان الاحتلال، بحيث أعطتهم حق اكتساب الجنسية الجزائرية، كغيرهم من الجزائريين، غير أنهم غادروا البلاد بمحض إرادتهم. لكن كيف يمكن تسوية قضية قانونية بطرق سياسية؟ أقصد هناك وكالة فرنسي تعرف باسم الوكالة الوطنية لتعويض الفرنسيين الذين كانوا يقيمون وراء البحر، وهي تعنى بتعويض الفرنسيين الذين تركوا ممتلكاتهم في المستعمرات السابقة، والتحقوا بالوطن الأم. وهذه الوكالة تسجل كل المعلومات المتعلقة بالعقارات التي عوضتها، بالتدقيق. أقصد مكان العقار وعنوانه وقيمته، وما إلى ذلك، وهي معطيات، لو نتمكن من التوصل إليها، لحلت الكثير من المشاكل، التي نعاني منها اليوم. وهل تعتقدون أن هذه الوكالة، تقبل بالتعاون معكم؟ هنا تكمن المشكلة. ولذلك أكدت على ضرورة أن تلعب الدبلوماسية دورها في هذه القضية. لا بد من حمل فرنسا على توقيع اتفاقية في هذا الإطار. وقد تكلمنا مع وزارة الشؤون الخارجية، وكذلك مع وزارة الفلاحة والتنمية الريفي لتسوية بعض القضايا العالقة، ولا سيما بعد مطالبة بعض الحركى والباشاغاوات، بالعودة إلى الأراضي الفلاحية الواسعة، التي كانوا يملكونها خلال فترة الاستعمار الفرنسي. وكيف كان رد الوزارتين؟ تلقينا وعودا ولم نصل بعد إلى الملموس، الذي كنا ننتظره. نعود إلى القضايا المرفوعة في العدالة حاليا والمتعلقة بالأملاك الاستعمارية السابقة، هل لكم أن توضحون لنا طبيعة بعضها؟ بالرغم من تأكيدنا على أن القضية سياسية بالدرجة الأولى، وينبغي حلها بالطرق الدبلوماسية، إلا أن القوانين المتوفرة، يمكنها أن تساعدنا في طي صفحات هذه القضية الشائكة. فمثلا بالنسبة للجزائريين الذين اشتروا أملاكا عقارية من فرنسيين بعد سنة 1962، فينبغي عليهم استظهار رخصة من البلدية، إذا كان قد اشترى في الأشهر الأولى من الاستقلال، أو ترخيص من الوالي بعد سنة 1964 فما فوق، ومن لم يكن يتوفر على هذه الرخص، يعتبر شراؤه باطل. كما نعتبر كل عمليات البيع التي تمت في الفترة الممتدة ما بين 1954 و 1962، باطلة، وكان طرفاها جزائري وفرنسي، لا يعتد بها، طبقا للأوامر التي أصدرتها جبهة التحرير الوطني في ذلك الوقت، والتي منعت التعامل مع المستعمر الفرنسي، وكل الرعايا المحسوبين عليه. لكن بعض الفرنسيين الذين رفعوا دعاوى قضائية ضد جزائريين، سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو معنويين، كسبوها، والحالات كثيرة، ومن الصعب حصرها؟ ينبغي توضيح بعض الأمور هنا. عندما يطالب فرنسي أو رعية أوربية كانت تقيم في الجزائر بممتلكات عقارية، فأول شيء ينبغي التأكيد عليه، فيما إذا كان يملك عقدا مشهرا عنه في المحافظة العقارية. كما يجب عليه أيضا إثبات أنه كان يسير هذا العقار بصفة منتظمة، إن كان محلات تجارية أو شركات.. أو مسكنا لم يغادره، ولم تصدر بشأنه وثيقة رسمية تثبت حالة شغوره، أو كان مسيرا عن طريق الوكالة بطريقة قانونية، وكان يسدد كل المستحقات الضريبية. وأؤكد هنا على أن من بين المشاكل التي زادت من تعقيد هذا الملف، هو أن عملية إحصاء الأملاك الشاغرة لم تكن شاملة في بداية الأمر، بحيث تأخرت إلى غاية 1966 1967، التي شهدت تنظيم أول إحصاء لعدد السكان في الجزائر. يعتقد البعض أن الكثير من الفرنسيين قد أخلوا عقاراتهم بطريقة ير قانونية بعد الاستقلال، ثم عادوا سنوات من بعد ذلك، ليبيعوها لجزائريين، في الوقت الذي يقطن هذا العقار جزائريون آخرون، الأمر الذي أدى إلى حدوث مشاكل بين جزائريين، سببها مثل هذه الأخطاء الإدارية؟ في حالة التأكد من أن العقار لم يكن محل شغور، ثم بعد ذلك تم بيعه من قبل فرنسي لجزائري، بعد سنة 1967، فإننا نعود إلى الصفقة، لنتأكد مما إذا كانت قد تمت وفقة القوانين المعمول بها. وهنا يطبق عليها المرسوم الصادر في سنة 1964، المتعلق بحرية المعاملات. فمثلا عندما تبيع رعية فرنسية جزائري عقار ما، يجب توفر شرطين، الأول هو شهادة عدم الشغور، بمعنى أنه لم يكن العقار محل البيع قد ألحق بأملاك الدولة، والثاني، هو توفر رخصة من الوالي. وهو إجراء معمول في كل دول العالم، في إطار مراقبة حركة الأشخاص. فإذا توفر هذا الشرطان، تعتبر عملية البيع صحيحة، وينبغي على جميع مؤسسات الدولة احترامها، وفقا لنصوص الدستور. أما إذا افتقدت العملية لهذه الشرطين، يعتبر البيع باطلا، الأمر الذي يجعل من هذا العقار جزء من أملاك الدولة. حاوره: محمد مسلم