عاشت ولاية بومرداس خلال سنة 2016 على وقع حدث ثقافي مميز تمثل في استعادة قاعة "إفريقيا" القديمة للمسرح و السينما و العروض الفنية بيسر شرق الولاية حيويتها الفنية و الثقافية وبريق السنوات الجميلة التي عرفتها ما قبل تسعينيات القرن الماضي. وعاد النشاط رسميا بداخل أسوار هذه التحفة المعمارية التاريخية -التي تضاهي من حيث ضخامتها وجمالها المعماري أجمل القاعات عبر الوطن- شهر رمضان الماضي إثر عقد الشراكة الذي جمع ما بين بلدية يسر مالكة المبني و الديوان الوطني للثقافة و الإعلام، و من بين أهم ما يتضمنه عقد الشراكة حسبما أوضحه جمال فوغالي مدير الثقافة تنازل البلدية عن تسيير القاعة لفائدة الديوان مع القيام بتجهيزها بالعتاد و الوسائل الضرورية و ضمان الصيانة و البرمجة و التنشيط، و نصت بنود الاتفاقية كذلك التي تتواصل على مدار 20 سنة على تعيين مسير لهذه القاعة و توفير فضاءات لإقامة نشاطات و تدريبات مختلف الجمعيات الثقافية و الفنية النشطة. و لقيت عملية إعادة الحياة إلى هذا المعلم" ترحيبا" من رواد الحركة السينمائية و المسرحية على غرار المسرحي عمر فطموش و رؤساء عدد من الجمعيات الثقافية بيسر حيث عبروا عن "ارتياحهم الكبير" خاصة وأنهم في أمس الحاجة إلى مثل هذه الفضاءات لإبراز الطاقات و بعث الفعل الثقافي. تجديد النشاط والحيوية الفنية و ذاع صيت هذا المبني على وجه الخصوص في حقبة الستينيات و السبعينات ثم ثمانينات القرن الماضي إثر ازدهار و تنوع نشاطاتها حيث كانت تقدم نحو أربعة عروض سينمائية يوميا بما فيها عرض صباحي خاص بالأطفال إلى جانب العروض المسرحية. إلا أن هذه الحركية لم تتواصل بحلول منتصف الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي التي اعتبرها عدد من ممثلي الجمعيات في تصريح له بأنها فترة مشؤومة على القاعة حيث بدأت تتعرض للإهمال و هجرة إطاراتها و تقلص نشاطاتها، و تعرضت جراء ذلك إلى غلق أبوابها إثر نشوب صراع بين جمعيات نشطة بها حول أحقية الإشراف علي تسييرها انجر عنه إهمال و تخريب لمحتوياتها بعد تنصل البلدية من مسؤولياتها اتجاهها و زاد في تدهورها مخلفات زلزال 21 مايو 2003 و فيضانات 2007. وفي محاولة لإعادة الحياة إلى هذا الصرح الثقافي رممت جزئيا من طرف البلدية و في سنة 2008 أعيد ترميمها و تجهيزها بالكامل من طرف مديرية الثقافة حيث اكتست إثر ذلك حلة جميلة أعادت إليها الاعتبار من جديد إلا أنها بقيت دون نشاط إلى غاية 2016 بسبب غياب التأطير و التمويل. تاريخ حافل لهذا الصرح الثقافي وذكر عبد الغني شنتوف مدير القاعة في تصريح له بأن هذا المبني الذي دشن سنة 1930 بمناسبة إحياء الذكرى المأوية لاحتلال الجزائر من طرف فرنسا أنجز من طرف المعمرين الذين كانوا يحتلون مساحات شاسعة من الكروم "العنب" بالمنطقة بغرض إقامة نشاطاتهم السنوية احتفاءا بهذا المحصول و حملت تسمية قاعة النشاطات لتتحول بعد الاستقلال إلى اسم "إفريقيا"، و زينت الواجهة الأمامية لهذا الفضاء حسبما لوحظ بجدارية - فسيفساء - نحتت فوق المدخل الرئيسي للقاعة وهي عبارة عن 3 نساء من العهد الروماني تقدمن ثمار و مأكولات و مشروبات. وكانت القاعة في بداية نشاطاتها استنادا إلى نفس المصدر تتسع لما يزيد عن 1000 مقعد و بعد نزع المقاعد الخشبية و استبدالها بالحديثة تقلص عددها إلى نحو 500 مقعد حاليا بالإضافة إلى ضمها لثلاثة طوابق تزينها شرفات، ويتضمن هذا المرفق أيضا خشبة عرض من الحجم الكبير وسعت و أصبحت مطابقة لمعايير عرض مختلف الأعمال و فضاءات و ورشات و غرف تغيير الملابس و غيرها، و يتم حاليا تقديم عروض للأفلام على مدار أيام الأسبوع بمعدل عرضين اثنين في اليوم إضافة إلى عرض مسرحي خاص بالأطفال كل صباح يوم جمعة و آخر للكبار على مدار الأسبوع. يذكر أن مصالح الولاية تفاوضت لعدة سنوات مع بلدية يسر بغرض تحويل ملكية المبنى من البلدية إلى القطاع الثقافي بغرض ترقيته و تثمينه من خلال تخصيص اعتمادات مالية إلا أنها لم تؤد "المفاوضات" إلى نتيجة.