جميل أن تقرّر الدولة الاستغناء عن استيراد الدواء وتضمن احتياجاتها بالإنتاج المحلي، لكن هل هذا ممكن، أو بالأحرى، هل هو واقعي بالنظر إلى الإمكانيات الضعيفة التي تتوفر عليها مصانع الدواء؟ فحتى أمريكا صاحبة الريادة في البحث العلمي والتصنيع غير مكتفية ذاتيا وتضطر لاستيراد بعض أصناف الأدوية، كما هو الشأن بالنسبة للّقاح الأنفلونزا الذي تستورده من كندا ودول أخرى لمواجهة الطلب المتزايد مع حلول فصل الشتاء. الحقيقة أن التصريحات المتكررة لوزير الصحة بخصوص توفير الدواء تشبه تصريحاته، وهو وزير للتضامن، بخصوص توفير السكنات للمنكوبين وحافلات النقل المدرسي للتلاميذ في المناطق النائية. وقد رحل من الوزارة دون أن ينفذ وعوده. وحتى وإن تمكّنت الدولة من فرض إنتاج الدواء محليا، فلن تستطيع إجبار الناس على تناوله، ولا الأطباء على وصفه لمرضاهم، لأن كثيرا من الأطباء يوصون مرضاهم بعدم استخدام الدواء المحلي، لأنه غير فعال. وعلى الوزير أن يسأل أي عجوز''متعددة الأمراض'' وصاحبة خبرة مع الدواء لتخبره بذلك. بل إن بعض الأطباء مرتبطون بعقود مع مخابر أدوية أجنبية مهمتهم الترويج لنوع واحد من الدواء على أنه الوحيد الكفيل بمعالجة أمراض معينة، رغم وجود عشرات الأدوية الأخرى التي لها نفس الفعالية، وربما بأسعار أقل. ولا أدل على ذلك من تصرّف بعض الأطباء في المستشفيات الذين يحرّرون، أو بالأحرى يطبعون، نفس الوصفة لكل المرضى، وبنفس ماركات الأدوية. وإذا كانت الجزائر مازالت غير قادرة على توفير الدواء الكافي والناجع للمرضى، والدليل أن الكثير من الوفيات تعزى إلى نقص الدواء، أي أنها لم تسو بعد مشكل توفير الكمية اللازمة من الدواء، فكيف لها التفكير في التحكم بنوعية الأدوية وماركاتها ومصدرها، وهل هي محلية أو مستوردة؟ مرضى السرطان والسكري وارتفاع الضغط الدموي يواجهون يوميا مشكل نقص الدواء، وغلاءه ويئنون توجّعا دون التفات المسؤولين إليهم، رغم أن حالتهم مستعجلة.. وحتى المواليد الجدد يأتون إلى هذه الدنيا، ومعهم مشكل عدم توفر بعض اللقاحات أو توفرها للبعض دون البعض الآخر. فالأولوية اليوم هي الاستجابة لمطالب هؤلاء، أما الكلام الكثير والوعود التي لا تتحقق، فلا تداوي عليلا ولا تقنع العجوز ''متعددة المراض''.