''ثورة'' فرنسا الثانية، عودة ''أحداث ماي ''68 في طبعة جديدة، ''ثورة ضد ساركوزي''، ''ثورة ضد ملوك الإليزي''، ''فرنسا تحترق''، ''الإضراب في جينات'' الفرنسيين... هذه بعض عناوين الصحف الأوروبية التي أجمعت على إبراز الأداء السيئ لرئيس الجمهورية الفرنسية في تسيير شؤون الدولة. أخيرا وجد الحزب الاشتراكي الثغرة فصنع منها فجوة. قانون التقاعد منحه الفرصة لتحريك الشارع الفرنسي ضد سياسة ارتجالية خاضها نيكولا ساركوزي بأسلوبه الخاص في جر الجمهورية إلى معركة الزقاق. ونشبت حرب الشوارع بين شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي، ممثلة في الأحزاب ونقابات عمالية وتلاميذ المدارس والثانويات ومجتمع مدني، وقوى حفظ الأمن. كانت الإضرابات الأولى تنحصر في العدد، إذ كانت الأبواق تقول إن عدد المتظاهرين في اليوم الثاني والثالث لم يتجاوز ذلك التي شهده اليوم الأول، في محاولة لطمس الحقيقة وكأن الشارع تحرك في بلد ديمقراطي من أجل إثبات الذات فقط. لكن التطورات الأخيرة أثبتت أن الإشكال أعمق مما هو مطروح إعلاميا. هذا شخص موهوب في فن القفز على الرقاب، جاء به شيراك في طاقمه الانتخابي الأول وفشل أمام الاشتراكي ميتران. وفي المحاولة الثانية خانه ساركوزي عندما ساند منافسه من نفس التيار، فحلف شيراك بمحوه من فلك السياسة. ابتعد لبضع سنين ثم عاد من الباب الواسع فقبله الرئيس شيراك ومنحه حقيبة الخزينة ثم المالية ثم الداخلية وواجه حرب الضواحي فمسح الموس في رئيس الحكومة دوفيلبان وخرج كالشعرة من العجين. في مرحلة ثانية استطاع أن يتخلص من آلان جوبي، أكبر منافس في حزب، أزاحه بمحاكمة منعته من الترشح، تخلى إثرها عن قيادة الحزب. قفز ساركوزي ومسك بزمام الحزب، جمع أموالا طائلة من اللوبيات وسحق مرشحة اليسار سيغولان رويال. بدأت متاعبه مع ممارسة الحكم، شوهد في الأيام الأولى في يخت أحد أصدقائه الأثرياء، وطلق أم الأولاد ليتزوج بمغنية ودفع بأبنائه إلى المناصب. وفتح باب الإليزي للوبيات، وأبعد الصحفيين الناجحين من التلفزيون والجرائد الكبرى والإذاعات ليضع أصحابه. وكان يشتم معارضيه في جولاته الميدانية في معرض الفلاحة. وجاءت الأزمة المالية فكشفت عورة التسيير الارتجالي لإحدى أغنى الدول في العالم. فقفزت مديونية فرنسا إلى قرابة 90 بالمائة من الدخل القومي... الاحتجاجات الشعبية الجارية الآن هي بمثابة زبدة تراكم الأخطاء منذ اعتلائه الحكم في فرنسا. وكان منتقدوه ينتظرون الفرصة السانحة لنحره. الآن وقد وقع في قبضتهم فلن يفلت من أيديهم. فحسب سبر آراء حديث، 69 بالمائة من المستجوبين يعتبرون ساركوزي أسوأ رئيس للجمهورية الخامسة، مقابل 52 بالمائة لوزيره الأول. فيما يعتبرون أن الاشتراكي ستروسكان، من قومه ورئيس صندوق النقد حاليا، سوف يكون مؤهلا لأخذ زمام الأمور في فرنسا. وتأتي قائدة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري بعده في المرتبة الثانية. وكذب المنجمون ولو صدقوا.