''الخبر تحتوي أحسن الأقلام وبالتالي ستكون الجريدة الأولى في المغرب العربي'' التصريح للإعلامي عابد شارف، نشر في إحدى الصحف بمناسبة صدور العدد الأول في نوفمبر من عام .1990 لم يخطئ المدير الأسبق ل''الخبر'' في استشرافه للمستقبل.. بل إن ''الخبر''، وبعد مرور عشريتين، أصبحت تحتل المرتبة الثانية في الوطن العربي وإفريقيا بعد الأهرام المصرية. محطات للفخر والاعتزاز التطور لم يأت صدفة، بل ثمرة عمل وتضحيات أفراد أسرة ''الخبر'' على مر عشريتين من العمل الدؤوب، عشنا فيها محطات الفرح والفخر، تبقى راسخة في تاريخ التجربة الإعلامية في بلادنا، ومنها على وجه الخصوص بلوغ الجريدة أول مائة ألف نسخة قبل الوصول إلى المليون نسخة السنة الماضية، وحيازة ''الخبر'' على أول مطبعة، والوصول بعد عشرتين إلى تحقيق الاستقلالية التامة بامتلاكنا حاليا أربع مطابع موزعة بين مختلف مناطق الوطن. ومن محطات الفخر أيضا، يوم تنقلت ''الخبر'' إلى مقرها الجديد الذي يحتوي كامل شروط العمل اللائقة، فكانت أول يومية خاصة تغادر دار الصحافة.. ما مكننا من التفرغ للعمل على بناء مؤسسة إعلامية حقيقية. وإن كان افتخارنا كبيرا بما حققته ''الخبر'' من استثمارات مادية، فإن افتخارنا أكبر بما حققته ''الخبر'' من استثمار في المجال البشري الذي كنا منذ البداية ندرك أنه العنصر الأساسي في بناء المؤسسة. فقد أعطت ''الخبر'' الفرصة للعديد من الصحفيين للبروز وتفجير الطاقات إلى أبعد الحدود.. الشيء الذي خلق جيلا جديدا من الإعلاميين تركوا بصماتهم كصحفيين، تقنيين ومصورين.. فمنهم من بقي في ''الخبر''، لأنه يعتقد أنها مجاله الحيوي الذي يتمكن خلاله من الاستمرار في العطاء. ومنهم من غادر نحو جرائد أخرى، ومنهم من وظف تجربته لدخول مغامرة الإعلام الخاص، ومنهم من هاجر وكانت تجربته في ''الخبر'' زاده في التألق دوليا.. إلى درجة أن الكثير من الصحفيين غير الجاحدين يعترفون بأن ''الخبر'' كانت وتبقى مدرسة في الإعلام، ينهل منها العديد من الإعلاميين. اعتراف داخلي وخارجي التركيز على المهنية والتفكير الدائم في بناء المؤسسة، كانت المحاور التي شدت انتباه المهنيين الدوليين من شخصيات وهيئات.. فكان مقر ''الخبر'' قبلة لهؤلاء عندما يريدون جس نبض حرية الصحافة في الجزائر.. ما جعل ''الخبر'' تتحصل على العديد من الجوائز الدولية، تقديرا لما تقوم به من مجهود لترسيخ حرية الصحافة من جهة، وتحقيق الاستقلالية من محاولات الهيمنة السياسية والمالية من جهة أخرى. يتساءل البعض عن السر وراء هذه النجاحات التي مكنت ''الخبر'' من الوصول إلى هذه المرتبة، وسر تعلّق القارئ بجريدته والبحث عنها كل صباح، رغم مرور عشرين سنة على بداية المغامرة. التسمية.. بداية الاستقلالية في البدء كانت التسمية؛ حيث عكف الأعضاء المؤسسون للجريدة، منذ البداية، على البحث عن تسمية المولود الجديد، وكان من الضروري إيجاد تسمية ليومية إخبارية تتماشى والظروف السائدة في مرحلة نهاية الثمانينيات؛ حيث منظومة إعلامية قاحلة من الناحية الإخبارية، رغم أن الساحة السياسية كانت تشهد غليانا.. ما دفع العديد من المواطنين إلى اللجوء لوسائل الإعلام الأجنبية وخاصة الفرنسية للاطلاع على أخبار الوطن. كانت ظروفا غير عادية، ما تطلب من الإعلاميين واجب تغييرها. وما إن أتيحت الفرصة، حتى بدأ التفكير في كيفية إعادة المصداقية للخبر المنقول بأقلام جزائرية. فوقع الاختيار على تسمية ''الخبر'' لأنها تسمية مهنية محضة لا مجال فيها للتأويل السياسي ولا الديني ولا العقائدي. وكل ما كان مطلوبا من المجموعة الأولى لمؤسسي ''الخبر''، القيام بواجبهم المهني في نقل المعلومة ونشرها على أن تتوفر على بعض الشروط كأن تكون المعلومة جديدة بالنسبة للقارئ، وأن تكون خالية من التعليق الذاتي، حتى تترك للقارئ الحرية الكاملة في تكوين رأيه بنفسه، على اعتبار أنه قادر على فهم الأمور وليس بحاجة للصحفي أن يرشده.. لأننا ببساطة لم نكن نعتبر أنفسنا ضمائر الأمة أو أوصياء على المواطن، أو أننا نفهم الأشياء أكثر منه.. كنا نعتبر أنفسنا مجرد صحفيين ننقل الأخبار التي نراها ضرورية وكفى. ولعل هذا ما جعلنا نبتعد عن نشر الافتتاحية على صدر الصفحة الأولى.. لأن الالتزام بالافتتاحية يؤدي بالضرورة إلى ''التخندق'' ضمن تيار سياسي أو مصلحي معين يصعب الخروج منه.. ما قد يؤثر على استقلالية الجريدة. المهنية لا تعترف ''بالتخندق'' هذا الخيار لم يكن بمثابة سلبية إعلامية، كما حاول البعض اتهامنا بها منذ البداية، بل عدم ''التخندق'' هو خيار بحدود رسمها مؤسسو ''الخبر'' لأنفسهم.. وتمثلت أساسا في عدم المساس بالنظام الجمهوري للبلاد وبالدين الإسلامي، وعدم نشر المقالات التي تثير الفتنة والعنصرية، وعدم السكوت عن خرق حقوق الإنسان، والسهر على إعطاء الكلمة للضعفاء ومحاربة ''الحفرة'' والرشوة. وقد ترجم هذا الخيار إلى أرض الواقع عندما وقفت ''الخبر'' في وجه الكثير من المحاولات التي استهدفت الكلمة الحرة سواء بالرصاص أو التهديد بالسجن. واستمرت في المقاومة رغم الصعاب.. وكانت الضريبة ثقيلة عندما فقدت أسرة ''الخبر'' خيرة أبنائها، عمر أورتيلان، الذي اغتيل برصاص الإرهاب على بعد أمتار قليلة من دار الصحافة. البساطة واعتماد الإعلام الجواري ورغم هذه المضايقات، فإن ''الخبر'' لم تحد عن الطريق المسطّر، واستمرت في العمل على تحقيق مهمتها الأساسية؛ وهي إيجاد أحسن السبل في تكثيف التواصل مع القراء، لأننا كنا نعتقد أن الرفع من رصيد القراء بمثابة الحصن الواقي للجريدة. وقد اهتدينا، منذ البداية، إلى خيارات عديدة؛ مثل استعمال لغة بسيطة في متناول المواطن البسيط. ولم يمر وقت طويل حتى أعطت التجربة ثمارها الأولى. ولم يقتصر تواصلنا مع القراء بمختلف الطبقات والأعمار، بل إن ''الخبر'' تمكنت من التغلغل بين صفوف الفئات ذات التكوين الفرانكفوني، حتى إن أحدهم قال لي ذات يوم: إن ''الخبر'' ساهمت في عملية تعريب المجتمع، وهي العملية التي فشلت الدولة في تحقيقها في وقت ما. كما تمكنت ''الخبر'' من المساهمة في كسر الاعتقاد الذي كان سائدا؛ بأن الجزائريين لا يقرأون باللغة العربية.. واتضح بعد انتشار جريدة ''الخبر'' أن الجزائريين يقرأون، فعلا، بالعربية، شرط أن يقدم لهم منتوج يصلح للقراءة. وعلى هذا الأساس، نعتقد اليوم أن ''الخبر'' لم تعد ملكا لمؤسسيها ولا حتى للعاملين فيها.. إنها ملك لكل الجزائريين، لأنها ببساطة جريدة كل الجزائريين.