ليس من السهل اختصار 18 سنة من العمل مع جريدة اسمها الخبر، فالالتحاق بفريقها يوم 29 جوان 1992 لم يكن صعبا بقدر ما صعبت المهمة معه من خلال شرط التوافق مع خط الصدق والمصداقية وجعل الجزائر العميقة أولوية الأولويات. وكانت أول وصية للمرحوم الشهيد عمر أورتيلان هو اقتحام أعماق الجزائر والبحث عن المعذبين والمحرومين في أبعد قرية ببجاية ونقل معاناتهم ربما تساهم في تحقيق الفرج لهم فتكسب احترامهم وثقتهم، وأضاف أن في الأرياف المعزولة رجال لا ينكرون الجميل أبدا.. عملنا بالوصية وأدركنا بعد مرور زمن قصير حقيقتها لما أصبح هؤلاء يلقبوننا ب''المحترم'' وأصبح هؤلاء الذين لم يكونوا قبلها بزمن قليل لا يطيقون سماع حرف باللغة العربية يقبلون على جريدة الخبر إلى درجة إقامة الأفراح لما يكتب موضوع حول واقع قرية من القرى، وأكبر من ذلك لما يقرر عقلاء ''تجماعت'' مراسلة ''الخبر'' دون غيرها من أجل نقل معاناتهم، وكم يفاجأون لما يدركون أن الخدمة مجانية وتدخل في إطار العمل الصحفي. تعلمنا حكمة العمل الصحفي من الشهيد عمر أورتيلان، وصقل مواهبنا التحريرية الرجل الكبير عمر كحول، وتعلمنا الصرامة والانضباط على يد السيد رئيس التحرير عثمان سناجقي، كنا نعمل في ظروف أصعب بكثير، حيث الإمكانات شبه منعدمة والاتصال بالجريدة كان عن طريق ''بي سي في'' إلى أن جهزنا المدير العام سنة 1994 بجهاز فاكس بعد أن توصلنا إلى فتح أول مكتب ل''الخبر'' خارج العاصمة وقسنطينة، وكنت قد تلقيت ترخيصا من المدير العام لتمكين المراسلين المحليين آنذاك من إرسال مقالاتهم إلى جرائدهم على حساب الخبر، ''إنهم زملاء وشركاء في محنة حرية التعبير'' قال المدير العام شريف رزقي آنذاك. أتذكر يوم 03 أكتوبر 1995 اتصلت كالعادة بالتحرير وطلبت الاتصال برئيس التحرير، فرد علي صحفي سابق بالجريدة وقال ''عمر دايم الله'' وكنت صراحة أجهل معنى هذا، فخرّ باكيا وأدركت بعدها حقيقة ما حدث، ولما نقل جثمانه من مطار بجاية إلى أقبو، وقف له الآلاف من رجال المقاومة والدفاع الذاتي وعلى رأسهم اسماعيل ميرة، ولما سألته عن سر التجنيد رد علينا ''إنه رجل محترم'' وهنا تذكرت الوصية. في سنة 1995 لما عاشت منطقة القبائل إضراب المحفظة، كانت ''الخبر'' في الصدارة بتغطية جميع التطورات دون استثناء، ولم يحدث أن فات منها شيء والشاهد اسمه كمال بوطارن رئيس القسم الوطني آنذاك، ولم يحدث أن اشتكى أي طرف من انحياز ''الخبر'' لجهة ما، فالكل يتذكر جناحي الأمسيبي.. اللجان الوطنية بقيادة جمال زناتي التابعة للأفافاس، والتنسيقية برئاسة سعيد سعدي التابعة للأرسيدي، وكان الاثنين يتسابقان لمنحنا السبق الصحفي. ولم تمر سنوات قليلة حتى انفجرت المنطقة من جديد بعد اغتيال المطرب معطوب الوناس وتعاملنا مع الأحداث بنفس الحيادية والنزاهة، وكنا آنذاك أول من يعرف نتائج اجتماعات التنظيم اليساري القائم آنذاك ''اللجان الشعبية'' ولم يسبق كذلك أن سجل حدث لم ينقل إلى التحرير المركزي. ولم تكد تمر سنة واحدة على اختفاء اللجان الشعبية حتى انفجرت المنطقة من جديد فيما يسمى ''أحداث منطقة القبائل''، وكانت ''الخبر'' رغم التهديدات الأمنية تتنقل بين القرى والمداشر المعزولة لنقل نتائج أشغال اجتماعات حركة العروش في حينها إلى القراء، وفي كثير من الأحيان تؤجل الاجتماعات إلى غاية وصول ممثل ''الخبر''، ونفضل أن نتوقف هنا حتى لا يقال... 18 سنة من العمل في ظروف صعبة حقيقة كسبنا خلالها حب المواطنين والمعذبين والمقهورين وخصومة المسؤولين. وتعلمنا أن الذي يقف إلى جانب المواطن البسيط لا خوف عليه من العواصف والسيول الجارفة.