تملك الجزائر في خزائنها ما يزيد عن 157 مليار دولار من احتياطات الصرف، باعتراف المدير العام لصندوق النقد الدولي، وهي موارد بالنسبة لدولة كالجزائر التي لا يتجاوز عدد سكانها 35 مليون نسمة، كافية لضمان وتغطية حاجيات مواطنيها وقد تسمح لهم حتى بتذوق ''الكافيار'' من حين لآخر. لكن في هذه الدولة التي تملك كل هذه الموارد بالعملة الصعبة، يستيقظ مواطنوها كل يوم، قبل صلاة الفجر، للاصطفاف في طوابير ليس من أجل الحصول على ''فيزا شنغن''، ولا من أجل الظفر بمنصب شغل في إطار عقود ما قبل التشغيل، وإنما من أجل فقط، اسمعوا جيدا، افتكاك ''صاشي حليب'' أو ما يسميه البعض ب''بقرة اليتامى'' باعتباره النوع الوحيد من الحليب المقدور على شرائه بالنسبة للغالبية الساحقة من الجزائريين. وتذكر صور ومظاهر وقوف الجزائريين والمسؤولين نيام، في طوابير عبر مختلف مدن البلاد، وهم ينتظرون شاحنات توزيع ''حليب الصاشيات''، بمنظر لا يختلف عن عام ''البون''. أمر كهذا يحدث للأسف في دولة تقول إن لها حكومة وتملك برلمانا بغرفتين ولها 157 مليار دولار كاحتياطات صرف في بنكها المركزي، وفوق هذا وذاك تتحدث أن لديها استراتيجية صناعية. إذا كانت السلطات العمومية بمختلف وسائلها وأجهزتها وإمكانياتها المالية غير قادرة على توفير ''حليب الصاشي''، رغم استيرادها لآلاف الأطنان من ''الغبرة'' ومثلها من الأبقار الحية من إسبانيا وهولندا والدانمارك، فكيف يعوّل عليها في إيجاد حل لأزمة السكن والصحة والبطالة وحتى المرور؟ والمؤسف حقا أنه بعد مرور أكثر من نصف قرن عن الاستقلال واسترجاع البلد للسيادة، ما يزال الجزائريون في سنة 2010 يلهثون ليل نهار من أجل الفوز ب''شكارة حليب'' وفي حالة من البؤس والإهانة، لم يعد ينقص معها سوى تدخل برنامج الغذاء العالمي لتنظيم الطوابير الطويلة وحل أزمة تزويد المواطنين بالكميات الكافية من الحليب. نقول ذلك لأن سيناريو الندرة لمادة أساسية في غذاء الجزائريين، وهي الحليب، مستمر منذ قرابة 10 سنوات دون أن تتمكن الوصفات العلاجية التي اقترحتها الحكومة ووزارة الفلاحة واتحاد محوّلي الحليب وحتى اتحاد الفلاحين من معالجتها، رغم أن الأرقام تشير إلى خروج ملايير الدينارات دفعتها الخزينة العمومية لتغطية ما يسمى ب''دعم سعر الحليب''. فهل تحتاج السلطات العمومية إلى ''ثورة'' لتوفير صاشي الحليب؟ h-slimane@ho