شيّع، أمس، في جو مهيب، جثمان الفقيدة عيشة أجوري المعروفة فنيا ب''كلثوم''، إلى مثواها الأخير بمقبرة العالية، من بهو المسرح الوطني محي الدين بشطارزي تنفيذا لوصية المرحومة، بحضور وزيرة الثقافة خليدة تومي، وعائلتها الفنية من أهل السينما والمسرح، تتقدمهم رفيقة دربها نورية وفريدة صابونجي، بالإضافة إلى عائلة ابنها الوحيد وجيرانها. بكى المسرح اليوم ولفّه الحزن وعلى غير العادة بدا الركح حزينا وكئيبا لوفاة كلثوم، بالنسبة للمسرح كلثوم. ليست مجرّد ممثلة كانت تصول وتجول بين أروقته، بل هي ابنة المسرح، قضت كل عمرها فيه وكان عائلتها الأولى والوحيدة بعد أن نبذتها عائلتها الحقيقية. لم تكن ولادة أم كلثوم الطبيعية هي حقيقة وجودها في الحياة، بل كان تواجدها فوق الركح ولادة أخرى، ليس فقط لأنها تحمل جينات الإبداع، لكن المسرح كان هو الساحة التي تناضل فيها لإثبات وجودها في مجتمع أكثر من محافظ، يرى في الرجل الممثل والمغني عارا، فكان ينبذ ويبعد، فكيف بفتاة في مقتبل العمر، كان يلزمها الكثير من الشجاعة لتواجه المجتمع والعائلة، بل الكثير من الجرأة لتقول كلمتها وترفع صوتها فوق الركح. كلثوم.. اسم لا يشبه كل الأسماء إذا تعلق بالركح الجزائري، فهو رمز التحدي والإبداع والكفاح، رمز المرأة المثقفة، المعطاءة، رمز الصمود والكبرياء، إنها كالشجرة التي تمد جذورها في أعماق الأرض وكلثوم جذورها في أعماق مسرح بشطارزي. كلثوم.. اسمها الحقيقي عيشة أجوري، سيدة مسرح من الدرجة الأولى، أول ممثلة جزائرية وفنانة متكاملة وعمود من أعمدة الفن الجزائري، أتقنت السينما والمسرح والرقص وحتى الغناء، ولدت في 4 افريل سنة 1916 بالبليدة، وبعد 94 سنة وأكثر من 70 سنة من العمر الفني والعطاء اللامحدود تبقى كلثوم مرجعية فنية حقيقية، رغم انعزالها وابتعادها عن الساحة الإعلامية والثقافية والفنية منذ سنوات. استطاعت سيدة المسرح ذات السمعة العالمية، أن تفرض وجودها منذ الثلاثينيات وهي التي ملأت قاعة ''حديقة ألبير'' في باريس ب20 ألف متفرج، وعمرها لا يتجاوز 14 سنة نهاية 1920، فتنبأ لها الجميع بالعالمية واعتبرت منذ صغر سنها موهبة فذه. اكتشفها محي الدين بشطارزي في العشرينيات، فضمها إلى فرقته المسرحية ومنحها فرصة الظهور، وكان اختياره في محله، لأن الفرقة عرفت تألقا بانضمامها. سنة 1936 أثارت انتباه المخرجين الألمان والفرنسيين، الذين قدموا لها أدوارا مهمة، فمثلت في فيلم ''الباب السابع سفابوبلا''، لكن المرض أوقف مسارها السينمائي العالمي نهاية الأربعينيات، لتعود بعد ذلك إلى بيتها الأول المسرح وتقوم بجولة فنية مع محي الدين بشطارزي بفرنسا بلجيكا، تونس، المغرب وليبيا. أصبحت كلثوم منذ 1947 المرأة الوحيدة التي تمثل الدور النسائي، سواء في التراجيديا أو الكوميديا، لكن مع اندلاع الثورة التحريرية استجابت لنداء الواجب وتوقفت عن أي عمل. عادت كلثوم بعد الاستقلال إلى الركح، بعد تأميم الأوبرا الجزائرية 8 جانفي 1963، وكانت من الأعضاء المؤسسين لأول فرقة مسرحية وطنية جزائرية، إلى جانب مصطفى كاتب المدير العام للمسرح منذ 63، رويشد، علال المحب، حاج عمر، نورية أفومي، علولة وآخرون. شاركت كلثوم منذ 1964 في عدد كبير من المسرحيات دون توقف مالى غاية 1987، فمثلت في حوالي 70 مسرحية وأكثر من عشرين فيلما، وسجّلت 5 أسطوانات، كانت آخر مسرحية لها ''موت تاجر متجول'' سنة 1987، ليعلن المسرح تقاعدها وكانت صدمة كبيرة لها، لتعود إلى السينما سنة 1991 في فيلم ''البوابون''