العروس لم تخرج للقائنا لأنها جديدة وفق التقاليد في الوقت الذي يعرف سن الزواج تراجعا رهيبا بين شبابنا العاجزين عن إتمام نصف دينهم لمبرر مادي بالدرجة الأولى، لا يجد عرسان في خريف عمرهم التسعين صعوبة في إيجاد نصفهم الثاني، ليزف إليهم في ولائم لا تختلف عن أعراس شباب في العشرين، وهو ما وقفنا عليه بولاية الجلفة. لم نصدق أول الأمر عندما بلغنا أن شيخا في التسعين من العمر ببلدية عين معبد بولاية الجلفة، قد تزوج امرأة في التسعين أيضا، وأقاما عرسا تألقت فيه العروس بفستان نايلي أبيض، وجلست إلى جانب عريسها في السيارة على وقع الزغاريد، قبل أن يثبت أن الخبر حقيقة ونحن نطرق باب العريس السيد ''قربة عبو''، الذي خرج إلينا وهو يتلمس الأشياء لضعف بصره. وفي دردشة جمعتنا بالعريس وهو من مواليد1920، ذكر أنه ترمّل مع بداية السنة الجارية، ولم ينجب أطفالا من زوجته الراحلة، فتزوج مؤخرا من امرأة في الأربعين من العمر، لكن لم يحدث التوافق بينهما ولم يعمر زواجهما أكثر من شهرين، قبل أن يقرر الارتباط بسيدة من سنه هي الأخرى في التسعين من العمر، ترملت في سنوات السبعينيات وبقيت وحيدة بعد ارتباط أبنائها. ولم ترفض السيدة بن غربي فطيمة طلب جارها السيد عبو للزواج، لتزف إليه على مهر 25 ألف دينار تديّنه العريس وأقام كلاهما عرسا، وهي ترعى اليوم شؤونه كزوجة مطيعة رغم تقدمهما في السن، ووفقا للتقاليد لم تخرج للقائنا لأنها عروس جديدة. وفي بلدية الإدريسية المجاورة لبلدية معبد وقفنا على عرس آخر لعريس تسعيني تصادف مع يوم زفاف السيد عبو، جمع أيضا بين عريس في التسعين وعروس في الخامسة والستين. ولم يجد العريس، السيد قنفود التلي، مانعا في استقبالنا وعلامات السعادة بادية عليه، ''لأن الرجل بلا امرأة إنسان ميت'' على حد تعبيره. مضيفنا الذي اشتغل طيلة حياته في الفلاحة ويحصل على تقاعد محترم، تزوج أربع مرات وعروسه الأخيرة هي الخامسة. ولأن الوحدة هي أكثر ما يخشى محدثنا، ''والمرأة كل شيء في حياة الرجل'' كما يقول، لم ينتظر السيد التلي كثيرا ليبحث عن شريكة لحياته بعد وفاة زوجته التي عاش معها أكثر من نصف قرن، وكان شرطه الوحيد في عروسه أن تكون عاقرا، ليجد طلبه في زوجته الحالية السيدة سعدي فاطمة، وهي الأخرى تزوجت أربع مرات، قبل أن تزف إلى عريسها الأخير في وليمة على مهر 05 ملايين سنتيم، ليكملا معا ما تبقى من شتاء العمر.