ألغى رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، مشاركته في الدورة العادية ال16 لقمة الاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهو مؤشر على أن تداعيات الأحداث المتعلقة بالوضع الاجتماعي في الجزائر رمت بثقلها في ''أجندة'' الرئيس. فضل الرئيس عدم التوجه إلى أديس أبابا، حيث تعوّد على المشاركة في قمة الاتحاد الإفريقي، التي تعتبر أهم فضاء للسياسة الخارجية الجزائرية في السنوات الأخيرة. لكن مع هذا العزوف عن السفر للخارج، فإن التصريحات الحكومية الواردة على لسان أكثر من مسؤول، لا توحي بخروج مرتقب لبوتفليقة أمام الرأي العام حول القضايا ''الساخنة''، على الأقل في القريب العاجل. ويعتقد الرئيس بوتفليقة أن أي تعاط علني له مع الأحداث الأخيرة، سيعالج لا محالة من منظور سياسي، وهو ما لا تريده السلطة في الوقت الراهن، بمقابل تغليب فكرة أن كل الذي تشهده الجزائر ذو طابع ''اجتماعي''. ويكشف وزير الداخلية والجماعات المحلية، دحو ولد قابلية، في حواره مع الزميلة ''ليبرتي'' نشر في عدد أمس، جزءا من هذا الطرح، بحيث يرى دحو ولد قابلية أن ''الأحداث الأخيرة التي شهدتها بعض المدن الجزائرية لم تكن ذات طابع سياسي بل اجتماعي''. فأول ما يلفت في كلام الوزير دحو ولد قابلية، هو إصرار الحكومة على الأثر الاجتماعي لتحركات الشارع بداية جانفي الجاري ''لم نلمس في الجزائر أية مطالب سياسية، ولا أعني هنا الأحداث التي وقعت هذا الشهر فحسب، بل كل الأحداث الأخيرة. فلم نسجل في أي وقت من الأوقات أي أثر لمطالب سياسية''. وعلى خلفية رفضه لما تطرحه أحزاب المعارضة، قال وزير الداخلية إن ''الجزائر لها خصوصياتها، بحيث هناك سبل للتعبير عن الغضب وأطر للتعبير، تسمح للمواطنين غير الراضين بإسماع صوتهم، وحرية تعبير أكثر اتساعا في بلدنا مقارنة ببلدان أخرى''. كما يرد الوزير على أصحاب الطرح السياسي من أحزاب بالخصوص قائلا: ''حتى وإن لم تكن هناك إمكانية للتعبير في وسائل الإعلام الثقيلة، كما يقول البعض، إلا أن هناك وسائل إعلام خاصة كثيرة والأنترنت.. كل الأحزاب والمعارضين بإمكانهم التعبير عن انشغالاتهم، وهم يقومون بذلك بشدة أكبر مقارنة بالبلدان الأخرى''. لكن، عكس توجه رياح وزير الداخلية، خرج وزير التضامن من ولاية سطيف ليعترف بأن ''سحابة الاحتجاجات الاجتماعية لم تبرح سماء الجزائر''، وهي رسالة تظهر أن السلطة تأخذ مأخذ الجد كل ما يجري في الشارع من تحركات. ويكون ذلك، ربما، وراء إلغاء الرئيس زيارة أديس أبابا، وكذا مسارعة عبد العزيز بلخادم إلى عدم استبعاد قيام رئيس الجمهورية بتغيير الحكومة الذي شدّد أنه ''من صلاحياته''، بعدما نقلت عنه إحدى الصحف قوله ''لا يوجد تغيير حكومي''، وهو تراجع من بلخادم يحمل أكثر من دلالة حول ما يجري داخل دهاليز الحكم. واضح أيضا أن الحكومة التي قبلت على نفسها نفقات جديدة في السياق الاجتماعي، على غرار إعلان وزير التضامن سعيد بركات للمرة الثانية على التوالي عن تخصيص منحة معتبرة للشباب البطال، أن السلطات العمومية تراقب الوضع عن قرب، وتسعى لتأطيره وفق الاعتراف بوجود غضب اجتماعي وليس رفضا سياسيا للحكم القائم، كما يرى ذلك وزير الداخلية.