لازم الرِّفق سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم في مختلف أحواله، في الغضب والرِّضا، في السّعادة والحزن، وحتّى في وقت الآلام والمضار. فيوم تشتد الخطوب ويُدميه قومه، يدعو لهم: ''اللّهمّ اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون''، ويوم يطلب منه بعضهم أن يدعو على مَن آذاه، فإذا به يقول: ''إنّي لم أُبعَث لعّانًا''، أخرجه مسلم، فغلبَت رحمته غضبه، وغلب رفقه شدّته. لقد أدرك سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ اللّفظ القاسي يورِد الفعل القاسي، وصاحب القلب القاسي إنّما هو سبب نفور النّاس وتحاشيهم القرب منه والتّفاعل معه. والمتأمِّل في القرآن الكريم يجد أنّه قد عظّم مقام الرِّفق وأمَر به، بل قد نبَّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه كما قال تعالى: {ولوْ كُنتَ فظًّا غليظَ القلب لانْفَضُّوا مِن حولِكَ فاعْفُ عنهُم واستغفِر لهم}، آل عمران .159 ولقَد نَظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى الرِّفق على أنّه خُلُق أساس في تكوين شخصية المسلم، فعلَّم أمّته أنّ الله يُحبّ صاحب الرِّفق، ويُحبّ السلوك الرّفيق كلّه، فيقول: ''إنّ الله يُحبّ الرِّفق في الأمر كلِّه''، أخرجه البخاري ومسلم. وعلّمهم أنّ الرِّفق يزين الأمور فقال: ''إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلاّ زانَهُ، ولا يُنزَع من شيء إلاّ شانَه''، أخرجه مسلم.