أنهى رئيس الجمهورية، الاثنين، الجدل وحالة الشك، التي زادت حدة حول آليات تغيير الدستور، عقب تصريحات وزير الداخلية الأخيرة، مؤكدا على استشارة الأحزاب والشخصيات الوطنية في العملية، وأن تغيير الدستور سيتم بشكل تشاوري بين مختلف فعاليات المجموعة الوطنية، كما أقر باللجوء إلى استفتاء في حالة ما إذا كانت التعديلات المقترحة عميقة، في تجاوب مع النخبة السياسية التي تحفظت عرض التعديلات على البرلمان. * وذهب رئيس الجمهورية، في سياق طمأنة المجتمع السياسي، إلى حد التأكيد على أن تطبيق مبدأ الإجماع أو الأغلبية في اعتماد التعديلات، وإلزام الحكومة باعتمادها، حيث قال"ستعكس القوانين التي سيتم مراجعتها وكذا مشروع مراجعة الدستور ما سيصدر ديمقراطيا عن الأغلبية من أراء واقتراحات"، وأضاف "وعلى ضوء أراء واقتراحات الأحزاب والشخصيات الوطنية التي سيتم استشارتها كما أسلفت ستؤول إلى الحكومة مسؤولية إعداد مشاريع القوانين المترتبة عن برنامج الإصلاحات السياسية". * وقال الرئيس، في اجتماع مجلس الوزراء، اليوم، "فيما يخص إعداد مشروع مراجعة الدستور سأعين لجنة ذات الاختصاص لتنهض بهذه المهمة وتكون هي التي سيرفع إليها ما سيصدر عن الأحزاب والشخصيات من عروض واقتراحات"، في تأكيد واضح على دور النخبة السياسية في عملية تغيير الدستور، ما يرفع اللبس الذي تركته تصريحات وزر الداخلية والجماعات المحلية، دحو ولد قابلية، حين أشار إلى أن لجنة وزارة الداخلية ليست على اتصال بالأحزاب في عملية مراجعة الدستور، دون التنبيه إلى أن مساهمة الأحزاب ستتم عبر قنوات أخرى، حيث تكون اللجنة الدستورية بمثابة نقطة تقاطع لكل الاقتراحات الواردة من قبل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.. * وقدم الرئيس نفس التعهد بالنسبة لباقي القوانين العضوية المقرر مراجعتها، الانتخابات، الأحزاب السياسية، وحيز المرأة ضمن المجالس المنتخبة، حيث أكد بأن الحكومة ستقوم بجمع اقتراحات الأحزاب السياسية والحركة الجمعوية بما يتيح إيداع كافة هذه المشاريع لدى مكتب البرلمان في كنف احترام الاستحقاقات المترتبة عن الرزنامة السياسية. * واستثنى الرئيس من هامش حرية اللجنة الدستورية في مناقشة تغيير الدستور، ثوابت ومقومات الشهب الجزائري، لإبعادها عن المزايدات السياسية التي قد تستغل حراك الشارع وضغطه، وقال "لا يسوغ لأي تعديل دستور المساس بالطابع الجمهوري للدولة والنظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية والإسلام، من حيث هو دين الدولة، والعربية من حيث هي اللغة الوطنية الرسمية، والحريات الأساسية، وحقوق الإنسان والمواطن، وسلامة التراب الوطني ووحدته، وكذا العلم الوطني والنشيد الوطني بصفتهما رمزين للثورة والجمهورية"، إلى جانب عدم "الإخلال بالوفاء لإرادة الشعب الذي نبذ دعاة العنف من الحياة السياسية"، وهي الاعتبارات التي قال عنها في خطاب 15 أفريل أنها ستكون تحت مسؤوليته. * وطمأن الرئيس، من جهة أخرى، الطبقة السياسية، حول قلقها من إحالة مشروع الدستور على البرلمان للمصادقة عليه، على خلفية أن المؤسسة التشريعية الحالية ملاحقة بشبهة نقص الشرعية وعدم تمثيلها لكل الأحزاب السياسية، حيث يسيطر عليها أغلبية موالية للرئيس، متمثلة في التحالف الرئاسي، حين أكد بأنه "لو يتبين أن مشروع المراجعة الدستورية معمق فسيناط الشعب بعد البرلمان بالبت في أمره بمطلق سيادته من خلال استفتاء شفاف"، حيث أن الحديث عن تعديل عميق وجذري للدستور الحالي تحصيل حاصل، بل إن أطرافا سياسية تتجه إلى اعتماد دستور جديد مخالف تماما للدستور الحالي، يؤسس لنظام حكم جديد، أو التأسيس لجمهورية جديدة، ثانية أو ثالثة، وهو ما ذكره الرئيس قائلا "الإصلاحات السياسية ستكون عميقة ومراعية للمبادئ الأساسية المنصوص عليها في الدستور الحالي"، غير أن الرئيس، ومن باب احترام مؤسسات الدولة القائمة، والتي اعتمدت في عهداته، لم يقص البرلمان نهائيا من العملية، حيث أشار إلى استشارته في الأمر، قبل اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي. * غير أن الرئيس أبقى على السوسبانس بالنسبة لهوية الشخصية الوطنية التي تتولى إجراء مشاورات سياسية واسعة مع الأحزاب والشخصيات الوطنية بشأن الإصلاحات السياسية المزمع القيام بها، من خلال اللجنة الدستورية، والتي ستقوم ب"استقاء آراء واقتراحات الأحزاب والشخصيات حول جملة الإصلاحات المعلن عنها، وبخاصة مراجعة الدستور المقبلة"، يوضح الرئيس في مجلس الوزراء، دون أن يشير إلى شخصية بعينها، في وقت تردد وسط الطبقة السياسية أسماء كل من السعيد بوشعير، مختص في القانون الدستوري، وأشرف على عدة عمليات انتخابية وطنية، ومحمد بجاوي، العضو السابق في محكمة العدل الدولية، وزير خارجية سابق، ورئيس سابق للمجلس الدستوري. * وتأكيدا لهذا التجاوب مع انشغالات الرأي العام حول المدى الذي ستأخذه عملية التغيير، في سياق تكريس دولة القانون والحريات وحقوق الإنسان، أقر رئيس الجمهورية بالمناسبة الشروع في هيكلة شاملة وعميقة للمنظومة الإعلامية بما يجسد مبدأ حرية التعبير، حيث قرر رفع تجريم العمل الصحفي المكرسة في المادة 144 مكرر في قانون العقوبات، واستشارة الأسرة الإعلامية لمراجعة قانون الأعلام، وصياغة قانون الأشعار وسبر الآراء، إلى جانب إنشاء لجنة مستقلة من الخبراء في مجال الإعلام السمعي البصري والاتصال والإعلام لبحث مطلب تحسين المجال السمعي البصري وترقية الاتصال، بالإضافة إلى الإعلان عن إنشاء سلطة ضبط لتنظيم القطاع، كآلية تكرس مبدأ استقلالية الإعلام عن السلطة.