نقاط ظل بشأن عدم اهتمام الناس بربط مساكنهم بشبكة التوزيع الرئيسية للماء المثير للغرابة بقلب مدينة تمنراست، هو أن كل التجار من أصحاب المقاهي والمطاعم يقولون إنهم ليسوا بحاجة إلى ماء عين صالح، ولكل واحد منهم مزاعمه في ذلك، فالبعض يقول إن الماء لا يصلح لتحضير القهوة، بينما يشير البعض الآخر إلى أنه لا يمكن استعماله لتحضير المأكولات نتيجة درجة ملوحته العالية،. وحال هؤلاء هو حال أزيد من 15 ألف نسمة من السكان ممن ظلوا غير مكترثين بعملية ربطهم بالشبكة الرئيسية. العارفون بالرهانات المستقبلية للماء يقولون إن إيصال الماء الشروب من عين صالح إلى قلب مدينة تمنراست على مسافة 700 كيلومتر في عمق الصحراء، يعد واحدا من التحديات الكبرى التي رفعت، ولاسيما أن المشروع كلف خزينة الدولة 3 ملايير دولار، أي ما يعادل ميزانية بعض الدول الإفريقية. وتكفي المياه المتدفقة بسعة 50 ألف متر مكعب في اليوم لسد احتياجات سكان المدينة إلى غاية أفق سنة .2050 فعلى مر السنوات الفارطة، كانت ولاية تمنراست تجتاز فترات عصيبة وحرجة من كل سنة، نتيجة شح ونقص هذا المورد، وتمتد بشكل خاص من شهر أفريل إلى غاية شهر جوان. فخلال العام الماضي مثلا قدرت كمية المياه التي مون بها سكان تمنراست على مدى الفترة المذكورة ب4000 متر مكعب في اليوم، فيما كانت أزيد من 350 شاحنة تجر صهاريج تجوب الشوارع والأحياء لبيع الماء للمواطنين. ومع ذلك، فإن ما لاحظناه ووقفنا عليه بقلب مدينة تمنراست منتصف شهر جوان الفارط، هو أن أصحاب الصهاريج لم يغيروا معسكرهم، ولو أن عددهم تضاءل، وراحوا ''يستثمرون'' في الأجواء الجديدة التي نشأت بعد وصول ماء عين صالح. إذ كان هؤلاء، بحسب أقوال مواطنين، يبيعون الماء الشروب بأسعار مرتفعة، ما طرح بالتالي مشكل نوعية المياه. فمن ساحة أول نوفمبر بقلب تمنراست، مرورا بمحطة الحافلات وأحياء تاسيفت، وسرسوف، وتاهقارت، وصولا إلى الحي الإداري الجديد، تحس أن حدث ''ماء عين صالح'' لم يثر خلخلة في نفوس وأعماق الناس، فالتأثير الوحيد المباشر، على نحو ما يشير إليه أحد أبناء حي سرسوف، هو ارتفاع أسعار العقار. فعندما سألنا سعيد وهو صاحب مقهى، متواجد على مستوى الشارع المؤدي إلى تهاقارت، عما إذا كان يستعمل ماء عين صالح لتحضير القهوة، قال ''إنه ماء يؤثر بفعل درجة ملوحته على الآلة، والتي يمكن أن تتآكل مع الوقت''. بينما يؤكد صاحب مقهى آخر بساحة أول نوفمبر، أنه''غير مستعد لاستعمال هذا الماء لأنه يفسد طعم القهوة''. حتى أكلة ''الماينما'' تحضّر بماء الصهريج.. والحقيقة، أن المزاعم والحجج التي يرفعها الناس هنا وهناك في تمنراست ليست محصورة في تغيير طعم القهوة، بل إن ياسين، وهو صاحب مطعم قبالة ساحة أول نوفمبر يقول ''إن الماء الذي وصل من عين صالح لا يمكن استعماله لتحضير بعض الأطباق الخاصة بالحبوب، مثل العدس، والخضر، نتيجة الملوحة التي فيه''. المنطق الذي يؤمن به ياسين، هو المنطق ذاته الذي يعتمده محمدو، وهو شاب نيجيري تمكن من حيازة محل متواضع، لإعداد أكلة ''الماينما'' على مرمى حجر من دار الصناعات التقليدية، حين أكد لنا أنه يجتهد في تقديم ماء عذب للزبائن يشتريه من أصحاب الصهاريج. أزيد من 9 آلاف عائلة غير مربوطة بشبكة التوزيع.. المشكلة المطروحة حاليا، بحسب ما يشير إليه مدير وحدة الجزائرية للمياه محمد أوشيش، ومدير الري والموارد المائية محمد الخير، تكمن في كون عدد كبير من التجار والمواطنين لم يقدموا أي طلب لربطهم بالشبكة العمومية الرئيسية للتوزيع، رغم الإعلانات المتكررة لفائدة المواطنين قصد التقدم لإيداع هذه الطلبات.ومشكل المياه يخص بالدرجة الأولى مدينة تمنراست فقط، ومع ذلك، فإن المعلومات المقدمة لنا بمديرية الري والموارد المائية، تفيد بأن هناك 9 آلاف عائلة فقط مسجلة ممن تم ربطها بشبكة التوزيع، في حين ''يحتمل وجود 9 آلاف عائلة أخرى غير مربوطة تماما بهذه الشبكة ''، على نحو ما يشير إليه مدير هذه المؤسسة. يحدث ذلك في غمرة التسهيلات التي يقول مدير وحدة الجزائرية للمياه، إنها قدمت للمواطنين والمتعلقة بدفع مستحقات الربط بالشبكة، والمتمثلة في أن تكون العملية على مراحل، حتى ولو كان المبلغ رمزيا، ومع ذلك، فإن ما استخلصناه من حديث بعض المواطنين هو عدم اكتراثهم للأمر. هل المشروع لم يبنى على دراسات علمية.. ولم يشرك فيه أعيان المنطقة؟ القائمون على تسيير الموارد المائية بتمنراست يعترفون بأن درجة الملوحة تفوق 5,1 غرام في اللتر الواحد، وهي درجة عالية إذا ما قورنت بالمعيار الذي تعتمده المنظمة العالمية للتجارة، مع أننا شربنا من هذا الماء الذي كان على درجة من البرودة ولم نحس بخلل في طعمه. ويفسر المختص في علم اجتماع النظم، الأستاذ محمد الطيبي، هذه الظاهرة، من جانب أنه يحتمل أن يكون سكان تمنراست المدينة ليس كلهم من الجنوب، بل نسبة كبيرة منهم من الشمال. وفي هذه الحالة، هل هذه النسبة تقبلت هذه المياه أم رفضتها؟ فإن رفضتها، فذلك يخص نوعية المياه في حد ذاته، وبالتالي، فنحن في هذه الحالة أمام استثمار ضخم للدولة لم يؤسس على دراسات علمية دقيقة، إذا تجاوزت نسبة الملوحة المؤشر الطبيعي العادي، لأن هذه الفئة الشمالية تتعامل مع الماء كمادة طبيعية متعودة على استهلاكها بصفة كبيرة. أما الفئة المحلية، أي السكان الأصليين لتمنراست فهم متعودون على استهلاك نسبة قليلة من الماء، بمعنى بقوا على عاداتهم ولاسيما إذا كان سعر الماء مرتفعا. 5, 3 مليار سنتيم لإيصال الماء إلى 15 نقطة سوداء.. ومع ذلك، فإن مدينة تمنراست تحصي إلى غاية اليوم 901 طلب للربط بشبكة التوزيع، بينما توجد 3 فرق تعكف على ربط السكان بالشبكة، وتصل النسبة إلى 80 بالمائة، في حين تم تسجيل 3000 حالة تسرب للمياه. وما تزال الجهة القائمة على تسيير مورد المياه تنظر بعين الشك والريبة إلى أصحاب الصهاريج، ممن يقودون دعاية وسط المواطنين للتخلي عن الماء القادم من عين صالح. ومثل هذا الأمر يطرح تساؤلا عن مسؤولية السلطات الولائية في وضع حد للفوضى وفرض النظام الذي يليق بالمدينة، والمنطق الذي يسير به الفضاء العمومي. وفيما ينتظر أن ينهي مكتب الدراسات الفرنسي (سوريكا ستوكي) دراسته الخاصة بإعادة إنجاز شبكة جديدة ذات الربط الفردي للمنازل بالشبكة، نهاية شهر جويلية الجاري، رصدت الولاية غلافا ماليا قدر ب 5,3 مليار سنتيم للقضاء على النقاط السوداء التي لا تستفيد من الماء بعد، والمقدر عددها ب15 نقطة، مع أن هناك 7 مقاولات محلية حددت لها مهلة شهرين، اعتبارا من الأول من شهر جوان الماضي، وشرعت في عملية ربط هذه النقاط بالشبكة.