«نعيش أجواء احتفائية لا توصف بوصول الماء إلى تمنراست في أبعد نقطة من الجنوب الكبير وأكثره حركية على الإطلاق. نريد التحدث عن هذا الموضوع الذي يحتل الأولوية والاستعجال وتتدحرج بعده القضايا الأخرى بدرجات ولو تحمل الأهمية القصوى في الانطلاق بوتيرة سريعة تستدعيها التنمية المحلية وتفرضها الحاجيات الملحة نتحدث عن مشروع القرن التحدي الكبير لأيام لشهور لسنين لما يحمله من قيمة واعتبار لعاصمة الاهقارالتي انتظرت هذا الإنجاز على أحر من جمر وكان الحلم الأبدي المراود ضمائر السكان الذين انكوتهم مرارة البحث عن الماء الذي جعل منه كل شيء حي» هذه الكلمات تلقتها «الشعب» في جولتها الاستطلاعية بتمنراست أثناء زيارة رئيس الجمهورية إلى عاصمة الجنوب الكبير بوابة إفريقيا بامتياز، أجوبة سكان المنطقة. أجوبة حاسمة دون تردد من أهل تمنراست على أسئلة متعددة تخص المشاكل والقضايا التي تستدعي التكفل بلا انتظار. أجوبة حرص عليها من سألناهم في أكثر حي سكني تصبّ في قالب واحد موحد تكشف كم هو مهما تزويد تمنراسنت بالماء في هذا الظرف الفاصل من تحول الجزائر ومعركتها من أجل تسوية تداعيات مرحلة عصيبة عاشتها منذ عشرية. وهي مسألة كانت في صلب السياسة المسطرة من الرئيس بوتفليقة في سبيل بناء جزائر قوية آمنة. التحدي الجزائري في الزمن الصعب أجوبة تظهر بما لا يدعي مجال للشك أن المشروع المنجز في ظرف ثلاث سنوات مثلما شدد عليه مضمون دفتر الشروط ولم يقبل بالمرة بتأخيره تحت أي طارئ وظرف يستحق تسميته بمشروع القرن لعدة أسباب متلاصقة متكاملة لا تسمح بحدود فاصلة. أولها منة حيث مدة الانجاز التي جندت فيها اليد العاملة الجزائرية المؤهلة دون اتكالية على أحد وثانيها الطريقة المعتمدة في تسوية أزمة طالت بصفة أبدية لمدة مائة عام أو أكثر. إنه التحدي الجزائري الذي يحسب لجزائر أخرى تبني نفسها اعتمادا على مدخراتها. جزائر الانتصار وليس الانكسار والإخفاق. جزائر الانجازات الكبرى والمشاريع التي تنجح في كسب الرهان كلما اتضحت رؤاها وحددت أهدافها وجندت إمكاناتها دون القبول بالارتجالية التي تضررنا منها لسنوات وحقب سابقة. وترجمت هذه المسألة بدقة متناهية تصريحات سكان تمنراست في الاحتفائية بوصول الماء المنتظر بشغف. قال لنا عقباوي بابا احمد عضو المجلس الشعبي البلدي بالقرب من مجسم (ايلامان) المشيد في قلب المدينة ويصور الجبل العملاق بعين صالح الذي يزود تمنراست بالثروة المائية على امتداد 770 كلم شمالا: ''انتظرنا الماء بأقصى درجة الصبر. ووصوله حدث لا ينسى يسجل يومه للتاريخ للأجيال. كنا أكبر الناس استحقاقا للماء بعد الأيام الحالكات التي قضيناها جريا وراء التزود به بمشقة، خاصة بعد أن ظل سعر الصهريج في الارتفاع إلى الأعلى بالغا سقف 200 دينار في أعز الشتاء. شكرا للّه ورئيس الجمهورية الذي وضع تمنراست في قلب اهتماماته واعدا سكانها بتسوية إشكالية ندرة الماء مهما كانت الظروف وكان عند العهد''. وتدخلت السيدة ميلع بدرة شكرون ( 55 سنة) المقيمة بسرسوف قائلة بلكنة ترقية أصيلة ''أن مشروع التزود بالماء حلم جميع السكان الذين عانوا بمرارة من الوضعية التي طالت لدرجة أن الكثير كان يدرجها ضمن المستحيلات. لكن بوصول الماء تنطلق المشاريع الأخرى المعول عليها في حل المشاكل القائمة منها التشغيل السامح لإفراد عائلتي العمل». الأعيان: الرئيس بوتفليقة وفّى بالوعد من جهتها أكدت الآنسة بن محمد زهراء التي وجدناها بالقرب من حي لحوانيت أنها تأمل في تحريك المشاريع الاستثمارية والأعمال بعد علاج مشكل الماء المطروح سابقا بحدة وعطل الكثير من الانجازات. ورأت زهراء ابنة ال24 ربيعا إنها تتطلع إلى مشاريع مصغرة للمرأة الماكثة في البيت للقيام بترويج للصناعة التقليدية والحرف التي تتميز بها تمنراست وتزود بها القادمين إليها والعائدين منها في حركة دؤوبة لا تتوقف. على هذا الدرب سار الكثير من الأعيان وممثلو المجتمع المدني بعين المكان، قائلين لنا أن أكبر حلمهم تحقق في ظرف تاريخي. وهم مدينون للرئيس بوتفليقة في هذا الإنجاز الذي كان مطلبهم له في مختلف محطات الزيارات والحملات التي كشفوا عبرها عن تجاوبهم المطلق مع برنامج التجديد والتقويم لإعادة البلاد إلى سابق عهدها من التطور والبناء بعيدا عن الصورة السلبية التي تروج لها جماعات وأفراد لا تريد خروج الجزائر من الانتقالية الدائمة. ولم يختلف آخرون من التقيناهم قرب فندق ''طاهات'' غير بعيد عن مقر الولاية في الرأي، مؤكدين أن الحدث الأبرز هذه الأيام التي تعيشها تمنراست بصورة استثنائية، تكمن في وصول الماء إليها نهاية مارس الماضي. وقالت لنا مجموعة من الشباب وجدناهم بالقرب من فندق ''بورنان'' المجاور لسرسوف، بمقهى ترتشف القهوة والشاي في جو هادئ تحت أنغام (التندي) الأصيل: «أن المواطن هنا بالاهقار لم يكن يؤمن أن يتحصل على الماء بيسر ويزيل عنها كابوسا مفزعا لازمه دهرا. ولم يصدق أن المشروع الذي وضع حجره الأساسي في 3 جانفي 2008 يجسد بهذه العجالة». وينجح بمواصفات تدرجه في قائمة كبريات الانجازات التي تحدت الجزائر زمنها وشيدتها بالباقة والياقة من السد الأخضر والطريق العابر للصحراء إلى تزويد تمنراست بالماء. الجواب الشافي للسؤال المحيّر إنها شهادات حية نقلتها ''الشعب'' في جولتها الاستطلاعية وهي تتقاسم سكان تمنراست الأفراح بوصول الماء بكميات غزيرة 50 ألف م3 في مرحلة أولى تفوق احتياجات المنطقة التي لا تتعدى 20 ألف م3 في كل الحالات. وأكد أكثر من متحدث لنا كيف ظل الأعيان والمشايخ يطرحون على السلطات المحلية السؤال المحير متى يصل الماء إلى تمنراست؟ وهل حقيقة يصل ولا يذهب المشروع إدراج الرياح بالنظر إلى بعد الجغرافيا وصعوبتها؟ بعض الشباب رووا لنا قصتهم مع الماء. وقالوا أنهم لم يصدقوا مرة بأن المشروع دخل حيز التنفيذ نهاية مارس الماضي؟ والماء وصل فعلا إلى الخزان النهائي بطريق المطار بسعة 50 ألف م3. كانوا يروجون لفكرة خاطئة أن الخزان ممتلئ بماء الصهاريج ليس إلا؟ لكن الواقع شيء آخر، حيث الفرحة العارمة تفشت في الإحياء الشعبية التي روى الكثير من سكانها لنا حكايتهم المرة مع مشكل الماء الذي سكن قلوبهم ولم يفارقها ردحا من الزمن. لقد عمت الفرحة أحياء (تافيست)، (مثنثلات) وسط المدينة، حي مالطة احتفاء بوصول الماء إلى الحنفيات عبر شبكة تمتد على مسافة طويلة. أقيمت وعدات بمصلى العيد بواد سرسوف. وهو الموقع الوحيد الذي تقام فيه صلاة العيد في تمنراست على خلاف باقي الوطن الذي يؤدي فيه الصلاة بالمساجد. وهي ميزة عاصمة الاهقار وخصوصيتها. وكانت الوعدات المقامة على فترات حمدا وتهللا للّه سبحانه وتعالى وشكرا لرئيس الجمهورية الذي خصص غلافا ماليا 5 . 1 مليار دولار لمشروع يستحق تسمية مشروع القرن بجدارة واستحقاق. لكن لماذا كل هذا الاهتمام بالماء وما الذي يغيره؟ بالنسبة لسكان تمنراست فإن مشروع القرن أعاد الحياة إلى المدينة وغير وجهها الشاحب الحزين. فهو يعني نهاية معاناة مع الندرة عمرت لسنوات وسنوات لدرجة أن السكان ظلوا يتقاسمون كميات ماء الصهاريج مع الأشجار المغروسة أمام بيوتهم. وهي أشجار سقيت في الكثير من الأحيان بماء الوضوء حتى لا تضيع هذه الثروة النادرة أيام زمان وتحرم منها الشجرة. ماء الصهاريج .. معاناة يومية إنها معاناة سابقة لا تحتمل قي الحصول على الماء بصفة اعتيادية لدرجة أن سعر الصهريج الواحد من 1000 ل بيع ب 700 دينار. ويحصل عليه بشق الأنفس. فكبرت مكانة أصحاب الصهاريج. وتقوى موقعهم في الوسط الاجتماعي. وصار التقرب إليهم والتودد ضرورة حتمية تفرضها معركة الوجود. وصول الماء إلى تمنراست يساعد على رواج التنمية المحلية، من خلال توسيع مشاريع الاستثمار والمنجزات الصناعية التي كانت في السابق شبه معطلة بسبب مشكل الموارد المائية. ويزيد في حركة التطور والإنماء قرب وصول شبكة الغاز المخطط لها ودخولها حيز التنفيذ قي الثلاثي الأول من العام القادم. الغاز محنة أخرى يعيشها سكان المنطقة الذين يمونون من شاحنات صفائح تأتي من أدرار وحاسي مسعود على امتداد مسافة تفوق الألف كلم. لكن هذه المشكلة في طريق الزوال بفعل مشروع الشبكة الغازية الواسعة الممتدة على 282 كلم في طور الانجاز بالمخطط الخماسي الحالي الذي تحتل تمنراست فيه مكانة متميزة تجعل منها بحق ودون منازع عاصمة الجنوب الكبير كل الرهان.