مثلما كان فناناً في الحلاقة وتصفيف الشعر، ومناضلاً حريصاً في صفوف كل من حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، حسن الحسني..كان كذلك شغوفا منذ صغره بالتظاهرات الثقافية والرياضية والاجتماعية، حيث شارك في 1936 في تأسيس جمعية ''شمس'' بمدينة البرواقية، لتبدأ مسيرته الفنية، تاركا رصيداً مسرحياً ثرياً، ينمّ عن موهبة وروح تواقة لزرع البسمة والتواصل الاجتماعي. حسن الحسني. بوبفرة أو نعينع، مهما تعددت الأسماء، هي حكاية إنسانية جزائرية نادرة...رسم للفن في الجزائر طريقا ومسيرة مكلّلة بالعطاءات الخالدة. هو الاسم الذي يضع الجنيريك لوحده بدون رتوشات، حيث ارتسمت في مخيلة كل جزائري صنعة ذلك الرجل، الذي ترك بصمة واضحة في فضاء السينما الجزائرية..ولم يكن بوسع من عايشه أن يفلح في إيجاد كلمات قاموسية، تعطيه الوصف الحقيقي الذي يقترن بعطائه اللامتناهي، الذي لا يمكن أبدا أن نتجاهله أو ننساه. عانى تضييق السلطات الاستعمارية.. ودفع ضريبة فنه سجنا ولد حسن الحسني في 24 أفريل 1916 ببلدية بوغار، المحاذية لمدينة قصر البخاري، جنوب ولاية المدية، وتحصل على شهادة التعليم الابتدائي بمسقط رأسه، ثم انتقل إلى مدينة البروافية مرافقا لوالده عبدالقادر، الذي كان مدرّسا للّغة الفرنسية بمنطقة ''المطلق''. اشتغل حسن الحسني في بداياته حلاقا، قبل إشرافه على تسيير قاعة السينما ''ريكس'' إلى غاية ,1945 وشارك في تأسيس جمعية ''شمس'' عام 1936 بالبروافية، وفي عام 1937 وأثناء زيارة الفنان الكبير محي الدين بشطارزي للمدية، شارك حسان الحسني في بعض العروض الفكاهية التي أعجب بها بشطارزي، أين اكتشف قدراته المتميزة، وموهبة فذة في التمثيل، فنصحه بمتابعة المسيرة الفنية، مما جعل الفنان يبادر بإنتاج مسرحية بعنوان ''أحلام حسان''. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية سارع بوبفرة إلى إنتاج عدّة مسرحيات، دفع ضريبتها سنوات وراء القضبان، وذلك بكل من سجن سركاجي والبرواقية والبليدة لما حملته من أهداف وطنية، ليشغل أوقات فراغه هناك بتقديم بعض العروض المسرحية الفكاهية للسجناء. وحاولت ''الخبر'' جمع بعض الشهادات الحية ممن عايشوه في تلك الفترة، وعملوا معه في بداية مشواره الفني بمدينة البروافية، فوجدنا أن الجميع رحل عن الدنيا، ولم يبق غير صديق دربه عبد القادر قرطبي الذي رغم تجاوزه عتبة الثمانين بست سنين، إلا أنه وبمجرد إبلاغه من قبل ابنته عن نيتنا في الحديث معه عن أحد رموز الفكاهة في الجزائر، المتمثل في حسن الحسني، انتفض من مكانه، ..أسرع إلينا مهرولا لتزويدنا بمعلومات عن مسيرة الأخير، واستقبلنا بصدر رحب في بيته الكائن بحي أول نوفمبر. كان رجلا طيّبا ووطنيا حتى النخاع حاول عمي عبد القادر بذل جهد أثناء حديثه معنا، والعودة إلى تلك السنوات حين كان يبلغ 22 سنة، واستحضار ذكريات جمعته بصديقه ''بوبقرة''،..فقال ''لقد كان حسن الحسني رجلا طيبا ووطنيا حتى النخاع .. عانى كثيرا في حياته من أجل الجزائر،.. عندما التقيت به ولست أذكر السنة بالضبط، كان حلاقا، وكان أول عمل فني جمعني به مسرحيتان إحداهما تحمل عنوان ''أحلام حسان''، أما الثانية فوسمت ب''طريق الخير''، وجسد أدوارها آنذاك رفقتنا مجموعة من الأسماء من مدينة البرواقية المولعة بأب الفنون، واعتلاء خشبة المسرح، والتي اكتشفها حسن الحسني، وهي اليوم في الدار الأخرى على غرار ''دادسي علي، زبير بن دحمان، أحمد وجلول''. ويواصل عمي عبد القادر ''إذ وبالرغم من العراقيل التي كنا نواجهها آنذاك مع رئيس البلدية الفرنسي المدعو ''فرجو''، إلا أننا كنا نتحصّل بشق الأنفس على الترخيص لتقديم عرضنا المسرحي، بقاعة الحفلات أو ''السينما''. وفي ظل التضييق الذي مارسته السلطات الاستعمارية على حسن الحسني ومنع فرقته من النشاط غادر البرواقية باتجاه الجزائر العاصمة، يضيف عمي عبد القادر ''ذاكرتي تخونني في كل مرة عندما أحاول تذكر السنوات، ولكن الأكيد أن محاولات السلطات الفرنسية كبح جماحه والتضييق على أعماله المسرحية، دفعته إلى مغادرة الولاية صوب العاصمة، علّه يجد متنفسا يمارس فيه إبداعاته''. لم نكتف بما قاله لنا عمي عبد القادر والتفاصيل القليلة التي زوّدنا بها، بل دفعنا فضولنا ورغبتنا في الغوص في خبايا هذه الشخصية المحبوبة ومحاولة الكشف عن الجوانب المخفية من حياة الرجل، الذي لطالما أدخل البهجة في قلوب محبيه، في عز الأزمات، فتوجهنا إلى الحاج سليمان فرفاني أحد أعيان مدينة البرواقية، فقال ''إن حسن الحسني حل بالمدينة رفقة والده، الذي كان يشتغل مدرسا للغة الفرنسية في الثلاثينيات، وكان شابا في مقتبل العمر، مرحا وبشوشا،..اشتغل ''حلاقا'' عند أحد المعمّرين يدعى ''باياس''، قبل أن يفتتح محلا خاصا به رفقة أخيه بلخير، ليقدم بالموازاة بمعية فرقته بعض العروض المسرحية بقاعة السينما''. ''نعينع'' و''رويبح'' وحكاية حسن الحسني مع ''قرنينة الزبير'' يعتبر ''قرنينة الزبير'' من بين المؤسسين الأوائل للعمل المسرحي بمدينة البرواقية، رفقة الفنان الراحل حسن الحسني، وقد وافته المنية منذ عشر سنوات عن عمر يناهز 82 سنة، يقول ابنه ''يونس'' أن ما جمع والده ''الزبير'' بالفنان ''بوبقرة'' سنة 1940، كانت أفكار ونضالات حزب الشعب، التي جسّداها في العديد من الأعمال المسرحية، أهمّها في مشوار ''قرنينة الزبير''، حسب الابن مسرحية ''الدنيا ومعاونها الشيطان'' والتي جسّد فيها الزبير دور ''نعينع'' وحسن الحسني دور ''رويبح''، وعالجا من خلالها وبأسلوب فكاهي ثقافة المواطن المقيم بالريف وآخر يقيم في المدينة، ورغم أن العرض المسرحي قد احتضنته آنذاك بعض مناطق الولاية، من خلال فضاءات الولائم والأعراس التي كان يستغلها أعضاء الفرقة هروبا من الضغوطات والرّقابة التي كان يفرضها المستعمر الفرنسي لتقديم أعمالهم المسرحية الهادفة إلى نشر الوعي الوطني في أوساط فئات الشعب والدعوة إلى مناهضة الاستعمار. إلا أن أهم عرض للفرقة كان ذلك الذي احتضنته مدينة قصر البخاري في الأربعينيات، وحظي لأول مرة بحضور بعض أفراد عائلة مصالي الحاج، الذي كان وقتها تحت الرقابة القضائية بقصر الشلالة. ورغم أن حسن الحسني غادر مدينة البروافية سنة ,1950 إلا أن رفيقه ''قرنينة الزبير'' ولشدة ولعه بفن المسرح، اضطر إلى تأسيس فرقة ''الصابرة'' للمسرح، التي رغم أنها شاركت سنة 1965 في مهرجان المسرح الوطني بالجزائر العاصمة، ونالت إحدى أعمالها الجائزة الأولى مثلما نال ''الزبير'' إعجاب لجنة التحكيم، التي اختارته ليكون أحد أعضاء الفرقة المسرحية بالإذاعة الجزائرية، إلا أنه ولظروف قاهرة لم يلتحق ''الزبير'' بالإذاعة ولم يكتب لمشوارها فرقته المسرحية الاستمرار ليطالها النسيان، مثلما طال صاحبها الذي رغم أنه عايش عميد الفكاهة الجزائرية وكان رفيق دربه في محطاته الفنية الأولى، إلا انه ظل بعيدا عن الأضواء حتى رحل في صمت. ''بوبفرة'' بين ''تي فول تي فول با''...ونيابة المجلس الشعبي الوطني ناضل ''بوبفرة'' في صفوف حزب الشعب الجزائري، وكذا حركة الانتصار للحريات الديمقراطية. ليلتحق بالإذاعة والتلفزيون سنة ,1953 وأدى أول دور درامي في مسرحية ''المتابعة''، ليزج به في السجن بسبب مسرحية ''الحرية'' سنة ,1950 وبقي هناك إلى غاية عام .1959 ثم اقتحم المسرح الوطني بعد الاستقلال، وقدّم أعمالا فنية راقية، لا تزال حاضرة في أذهان من أحبوه إلى يومنا هذا. وقد أسّس سنة 1966 فرقة المسرح الشعبي، بمعية رشيد زوبة ومصطفى العنقى والطيب أبو الحسن. أما بدايته مع عالم التمثيل فكانت مع المخرج محمد الأخضر حامينة في فيلم ''ريح الأوراس''. والى جانب أعماله الفنية، كان الفنان حسان الحسني نائبا بالمجلس الشعبي الوطني سنة 1976 ...وتنوعت أعمال الفنان بين المسرح والتمثيل و''السكاتشات''، فمن ''أحلام حسان'' إلى ''نعينع في المدرسة'' و''نعينع وخمس هكتارات''، بالإضافة إلى مسرحيات أخرى كانت ولا تزال شاهدة على براعته في المسرح، منها ''تي فول تي فول با''، ''وسي حمودة'' و''سي بلقاسم البرجوازي'' و''الفاهم''. كما كانت لحسن الحسني عدّة أعمال سينمائية وتلفزيونية تجاوزت الأربعين فيلما، حيث كان أول ظهور له سنة 1959 في فيلم ''المشعوذ''، ثم ''ريح الأوراس'' و''الأفيون والعصا'' سنة ,1969 وكذا فيلم ''وقائع سنين الجمر''.. وغيرها من الأفلام التي كان آخرها فيلم ''أبواب الصمت'' لعمار العسكري، ومثّل فيه المرحوم دور مجاهد يقدم شهادة حية وهو على فراش المرض سنة ,1987 وقد احتار النقاد في موهبته الفنية حتى وهو طريح الفراش. غادرنا المرحوم ''بوبفرة'' في يوم الجمعة المصادف ل 25 سبتمبر من سنة 1987 عن عمر يناهز 71 سنة، مخلّفا وراءه فراغا رهيبا في الساحة الفنية، ليبقى اليوم مهرجان المسرح الفكاهي، الذي تحتضنه ولاية المدية كل سنة، شاهدا على عظمة الأعمال التي قدمها عميد الفكاهة الجزائرية.