تتزيّن جوهرة الغرب الجزائريتلمسان لتتوّج عروسا للثقافة الإسلامية وتتباهى طوال عام كامل أمام نظيراتها من الدول الإسلامية بسلسلة من المحطات التراثية والإبداعية التي تؤكّد على ما تزخر به من تنوّع تراثي ومعالم تاريخية ذات دلالة وشهرة تعبّر عن الإبداعية الجزائرية الشاهدة على عظمة الحضارة الإسلامية في هذه الربوع، وتميط اللثام عن عراقة ثقافتها ومكانتها المتميّزة كحاضرة قدّمت عطاءات فكرية وإبداعية وبطولات عبر مختلف الحقب والعصور. كلّ الأعين ستتّجه نهاية هذا الأسبوع نحو تلمسان التي تطلق رسميا تظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية، بحضور رسمي متمثّل في حضور أكثر من 80 سفيرا معتمدا بالجزائر في فعاليات حفل الافتتاح، وكذا فني كبير من خلال عرضين كبيرين، الأوّل شعبي والثاني فني ستحتضنه هضبة ''لالة ستي'' ويحمل عنوان ''تلمسان، صدى الإيمان''. التلمسانيون وضيوفهم سيكونون يوم الجمعة بداية من الثامنة مساء على موعد مع استعراض شعبي كبير ينطلق من قصر العدالة إلى غاية ساحة ''إمامة''، وسيشكّل هذا الاستعراض اثنين وعشرين مركبة تحمل كلّ واحدة منها عدّة مواضيع تجسّدت في شكل مجسّمات فنية تعكس الإرث الثقافي الإسلامي المادي وغير المادي عبر التاريخ، وإلى عراقة الحضارة الإسلامية، من خلال الفن العمراني الإسلامي، والاختراعات وكذا الابتكارات في شتى ميادين العلم والمعرفة من طب وفيزياء، رياضيات وفلك ومدى تأثيرها على الإنسانية وحداثتها. تجسّد المركبة الأولى الكعبة الشريفة، بشعار ''إنّ أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين''، والمركبة الثانية تجسّد مسجد الأقصى تحت شعار ''سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى''، وتجسّد المركبة الثالثة خارطة الدول الإسلامية تحت شعار ''اليوم أتممت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا''، فيما تجسّد المركبة الرابعة علم الفلك والفضاء تحت شعار ''وكلّ في فلك يسبحون''. لتتوالى المركبات، فالخامسة تجسّد العمران في العالم الإسلامي، وفقا للبيت الشعري ''تلك القصور البيض حفت بها حدائق خضر بكرم العنب''، والسادسة تجسّد الفروسية والأسلحة، وفق الحديث النبوي ''الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة''، وتجسّد السابعة الصناعات التقليدية وفق الحديث الشريف ''عطاء من فيض إلهي''، فيما تتمحور الثامنة حول كبار العلماء، وفق الآية القرآنية ''إنّما يخشى الله من عباده العلماء''. ''الإلهام والإبداع''، تحت شعار ''أينما نحن..ثمة البهاء والجمال'' تجسّده المركبة التاسعة، أمّا العاشرة فخصّصت للباس التقليدي والفلكلور، بمقولة لعلي ابن أبي طالب ''هي الكنوز التي تنمو ذخائرها لا يخاف عليها حادث الغير''، وأفردت المركبة التالية لإبحار السفن وفق الآية الكريمة ''وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون''، والثانية عشر خصّصت لمجالس الموسيقى والغناء مزيّنة ب ''وقد يتوصل بالألحان الحسان إلى خير الدنيا والآخرة''. الخطّ والمنمنمات والزخرفة مستدلة بالآية الكريمة ''ن والقلم وما يسطرون'' حملتها المركبة الثالثة عشر، متبوعة بأخرى خصّصت للفتوحات الإسلامية منطلقة في ذلك من مقولة عقبة بن نافع ''جئنا لنشر الإسلام بين البشر فمن شاء منكم هداه الله ومن لم يشأ ديننا فهو حر''، لتجسّد المساجد والجوامع في مركبة تزيّنت بالآية الكريمة ''في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه''، وتعلو أسماء اللّه الحسنى في مركبة تحمل الآية الكريمة ''ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها''. المركبة السابعة عشر من جهتها، تجسّد الاختراعات وفق الآية ''إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان''، وانطلاقا من الحديث الشريف ''أنزل الدواء الذي أنزل الداء'' تجسّد المركبة الثامنة عشر العلوم الطبية، والتاسعة عشر الرياضيات والهندسة تحت شعار ''من تدقيق الأرقام إلى تحقيق الأحلام''، أمّا المركبة العشرون فللحدائق والنافورات ''نزهة العيون وريحانة القلوب''، خصّصت المركبة الواحدة والعشرون لمجالس الشعر، بشعار لمقولة عمر رضي الله عنه ''تعلّموا الشعر فإنّ فيه محاسن تبتغى أو مفاسد تتقى''، ليختتم الاستعراض ومركبة تجسّد ''تلمسان'' بشعار '' إلى الصون مدّت تلمسان يداها ولّبت فهذا حسن صوت نداها'' وولدت فكرة الاستعراض الشعبي خلال تنظيم تظاهرتي الجزائر عاصمة الثقافة العربية في سنة 2007 والمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني لسنة ,2009 ونظرا للإقبال الجماهيري والنجاح الذي حظيت به هذه التظاهرات، اعتزم الديوان الوطني للثقافة والإعلام الاستمرار على نفس النهج من خلال هذا الاستعراض الشعبي الذي يتماشى والأهداف المنشودة، حيث أنّ التصوّر العام للعمل الفني، نابع من فكرة أنّ الإسلام رحمة للعالمين، وتعاليمه تضمن سلامة المجتمع المستمدة من القرآن الكريم. وشارك في تجسيد هذا الاستعراض أزيد من 33 فنانا مختصا في النحت والرسم (جلّهم خريجو المدرسة العليا للفنون الجميلة)، وما يقارب 35 حرفيا جزائريا وأزيد من 50 فنانا أجنبيا في مختلف التخصّصات بالإضافة إلى أكثر من 500 فرد يمثّلون مختلف الفرق الفلكلورية التي سترافق موكب الاستعراض، والتي تم برمجتها من كامل التراب الوطني. وعلى غرار التظاهرات الثقافية الكبرى التي احتضنتها الجزائر كتظاهرة ''الجزائر عاصمة الثقافة الإسلامية ''2007 والمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني عام ,2009 يرافق هذا الاستعراض حفل فني سهرة السبت يحضره رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ومختلف الهيئات الرسمية المعتمدة في الجزائر إلى جانب ضيوفها، وتحتضنه هضبة ''لالة ستي'' التي ستعلو منها الأصوات وتتقاطع فيها الحركات لتطلق ''تلمسان صدى الإيمان''. العمل الفني هذا يعدّ إنجازا مسرحيا ضخما يضمّ كوكبة كبيرة من الفنانين الجزائريين من ربوع الوطن في مختلف المجالات الفنية من أداء غنائي، تمثيل، كوريغرافيا، سينوغرافيا ومؤثّرات بصرية، ويتناول جملة من المحطات الهامة من تاريخنا، بدءا من حقبة تلمسان قبل دخول الإسلام، وصولا إلى الفتوحات الإسلامية التي عرفتها هذه المنطقة، والتي لم تكن يسيرة حيث تعدّدت الحملات العسكرية وتخلّلتها عدّة صعوبات أفضت في النهاية إلى انتشار الإسلام مما خلق وحدة ثقافية واجتماعية وعقائدية وسياسية اجتمعت حولها مختلف القبائل وتهافتت للقيام بدور فعّال في بناء هذا الصرح العملاق المتمثّل في ''خير أمّة أخرجت للناس''، ودعم الحضارة الإسلامية بمعالم وشخصيات علمية لا يزال أثرها قائما بمدينة تلمسان الشاهدة إلى يومنا هذا. كما يشيد العرض بتلاحم الثقافتين الإسلامية والأمازيغية، مما أفرز تحوّلات حضارية جذرية شملت جميع المجالات الثقافية والعلمية والاجتماعية والعمرانية أدخلت المنطقة كطرف فاعل في الحضارة الإنسانية، كما يعكس امتداد الفتح الإسلامي من قبل أبناء المنطقة وصولا إلى الأندلس وأهمية المشروع الحضاري الذي حمله المسلمون في مغارب الأرض والمتمثّل في نشر الدين الإسلامي وتعاليمه لإخراج هذه المناطق من سيطرة الديانات الأخرى، ليختتم العرض بمجموعة من اللوحات التعبيرية التي تحاكي جزائر اليوم في ظلّ الحكم الراشد، الذي أهدى الأمة حلمه وحكمته وشرف الأجيال بعهدته.