عاد الجدل القائم حول مستقبل الصحافة الورقية المكتوبة ليطرح، على خلفية القرار الذي اتخذه مالكو الصحيفة الفرنسية واسعة الانتشار ''فرانس سوار''، بالتحول من الصحافة الورقية إلى الإلكترونية بالكامل قبل نهاية السنة الحالية. يعكس القرار المتخذ من إحدى أكبر الصحف الفرنسية انتشارا وأول الصحف الفرنسية التي بلغت مليون نسخة بعد الحرب العالمية الثانية وثماني طبعات في اليوم، الأزمة التي تعيشها الصحافة الورقية في القارة الأوروبية عموما وفرنسا خصوصا، مع الصعود القوي للصحافة الإلكترونية والافتراضية وتداعياتها على إيرادات ومداخيل الصحف التقليدية، حيث طالت هذه الأزمة رموز الإعلام الفرنسي المكتوب وأكثرها عراقة مثل ''لوموند''. ورغم الدعم الذي استفادت منه الصحافة الفرنسية بمختلف أطيافها، فإن التوازن المالي لها اختل مع انكماش وتراجع القراء وانخفاض المبيعات وخاصة الإشهار، وتفاقم الوضع أيضا مع الأزمة التي تعانيها العديد من الشركات والمؤسسات في فرنسا وأوروبا. وقد تبنت ''فرانس سوار'' هذا التوجه، رغم دخول مستثمرين جدد في رأسمالها وضخ المزيد من الأموال، كان آخرهم رجل الأعمال والملياردير الروسي ألكسندر بوغاتشيف الذي استثمر في الجريدة الفرنسية 70 مليون أورو وقام بشراء أغلبية الحصص. وقد قرر الشاب الملياردير توقيف النسخة الورقية نهائيا، والاكتفاء بالنسخة على شبكة الأنترنت وتقليص عدد العاملين. وقد اضطرت هذه الأزمة ثاني أكبر صحيفة اقتصادية متخصصة في فرنسا بعد ''لي ايكو'' وهي ''لاتريبون''، إلى التوقف لمدة مؤقتة عن إصدار الطبعة الورقية، بسبب المصاعب المالية التي تواجهها. وكمؤشر على هذه الأزمة، كشفت الهيئات المتخصصة في مجال السحب أن ''فرانس سوار'' التي بلغ وتجاوز سقف طبعها مليون نسخة، عادت لتسحب العام 2010 أقل من 130 ألف نسخة، في وقت بلغت عائدات الإشهار 2,1 مليون أورو. وستقوم الصحيفة الإلكترونية ''فرانس سوار''، باستثمار 10 مليون أورو، مع توقع تسجيل ما بين 3 إلى 4 ملايين زائر. وقد طالت الأزمة صحف ''لومانيتي'' و''لوفيغارو'' و''ليبيراسيون'' أيضا، كما عرفت الصحف الورقية في كندا بداية أزمة تجلت في كساد لدى صناعة الورق، كما عرفت صحف ومجلات بريطانية وأمريكية عريقة أزمة إلى درجة دفعتها إلى اللجوء إلى النسخ الإلكترونية كبديل منقذ، مثلما قامت به ما بين 2008 و2009 ''كريستيان ساينس مونتور'' والحياة المالية'' و''دوكابيتال تايمز'' و''بي سي ماغ''. وبررت هذه الصحف قرارها بارتفاع التكاليف وانكماش رقعة القراء، مقابل قلة تكلفة النسخة الإلكترونية وقلة اللجوء إلى العاملين أيضا. وعلى عكس الوضع العام الذي يمكن أن يترسخ تدريجيا خلال العشرية المقبلة، فإن الجمعية الدولية للصحف والناشرين، أكدت، في آخر تقرير لها، ارتفاعا محسوسا للصحافة الورقية في البلدان الآسيوية مقابل انكماش في الغرب. واختصر كريستوف ريس، رئيس الجمعية، ذلك بقوله في التقرير إن الصحف الورقية رفعت من سحبها في البلدان الآسيوية مقابل تراجعها في البلدان ''الناضجة''. كما سجل انكماش في عدد النشريات التي تقدم خدماتها على الأنترنت مجانا. فضلا عن ذلك، كشف التقرير أن أصحاب الإعلانات يعتبرون أن الصحف الورقية لاتزال القناة الأكثر مردودية وفعالية، كما أنها تمس شريحة أكبر من القراء مقارنة بالصحف على الأنترنت بنسبة 20 بالمائة على المستوى العالمي، إضافة إلى أن عائدات الإشهار الرقمي لا تعوض خسائر إيرادات الإشهار في النسخ الورقية.