هو ثاني شخصية في الجزائر تحظى بلقب ''دا'' بعد الكاتب والباحث الراحل ''دا مولود معمري''، شهادة لا تمنحها الجامعات أو الأكاديميات، بل هو اعتراف شعب بأكمله بكل شرائحه، لأعمال الرجل ونضاله من أجل إذكاء شعلة الماضي الأمازيغي للجزائر. دا عبد الله حمان هو توأم القضية الأمازيغية، التي قاسمته غياهب زنزانات سجن بلعباس ووهران و''لامباز''، من 1956 إلى غاية .1962 الأمازيغية ليست خنجرا لضرب وطني كانت ملاذه بعد كل تعذيب إلى غاية بزوغ شمس الاستقلال. شمس، وللأسف، حُرمت منها لغة أمه. نكران لم يثن دا عبد الله عن حب الجزائر: ''الأمازيغية ليست خنجرا لضرب وطني، بل هي أداة لتوحيد الأمة''. ولقد استبشر خيرا بقرار ''ترسيم الأمازيغية كلغة وطنية في المغرب، وانعكاساتها على الجزائر''. دا عبد الله رفض الالتحاق بحركة آيت أحمد خلال لقائه به سنة .1964 نضاله من أجل الأمازيغية كلفه قضاء عشرة أيام في سجن سري ببرج سانتا كروز بوهران سنة 1968 بعد اختطافه من طرف الشرطة، أيام حكم هواري بومدين. بعد معركة التحرير، خاض عدة معارك ضد ''المستعربين أو المتنكرين لأمازيغية الجزائر''، كما يسميهم، والذين أرادوا حرمانه حتى من إطلاق اسم الملك النوميدي ''ماسينيسا'' على ولده البكر سنة .1970 توّج مساره ب28 عملا، من قصص وروايات وأشعار باللسان الأمازيغي، منها ترجمة ''رباعيات عمر الخيام''، إيمانا منه بأنه ''إذا تلبس الشعب بشخصية غيره، فهو ميّت''. وجدنا ''دا'' عبد الله في انتظارنا ببيته الكائن ب16 شارع شكيب أرسلان بوهران، بعد أن حدّدنا معه موعدا خلال التكريم الذي نظمته له جمعية نوميديا بقاعة الكريديش بوهران، بحضور عائلته وكل أصدقائه. لكن قبل حلول الموعد، قدم إلى مقر الجريدة بوهران، حاملا معه رسالة للرد على تصريحات الطاهر بن عيشة، المنتقدة لرفيق دربه مولود معمري. دافع ''دا'' عبد الله عن معمري قائلا: ''هو أحد نوابغ الفكر والبلاغة، ولم يدع يوما إلى نزعة قبلية، وإنما دعا إلى توحيد الأمازيغي، من ليبيا إلى موريتانيا''. ويضيف ''الأمازيغية والعربية أساس الأمة وسلامة المجتمع من التفرقة، هي البنيان المرصوص لنشدّ بعضنا بعضا''. انطلق مسار ''دا'' عبد الله من قرية آث داود بتيزي وزو سنة 1936 مرورا بوهران التي احتضنته وعمره لا يتجاوز خمس سنوات، لدى شقيقه الأكبر فرحات. حمل طيلة حياته قضيته، الأمازيغية، على كتفه، ولم يشتك يوما، أو فكر في تركها، رغم صعوبة الحياة ''كنت أستعمل أوراق أكياس الإسمنت بعد تنظيفها للكتابة بالأمازيغية في سجن سيدي بلعباس سنة 1956 عندما يرخي الليل جناحه''، يروي دا عبد الله، ويشير إلى مسودة كتاب حول كفاحه خلال الثورة التحريرية باللغة الأمازيغية، جاهز للنشر. اهتمامه بالسياسة تنامى من خلال استماعه لأحاديث مناضلين من نفس المنطقة، كانوا يترددون على محل شقيقه فرحات بوهران، من أمثال مبارك أث منفلات، محند أمقران خليفاتي وبن عبد الواحد وآخرين. يتذكر دا عبد الله مقابلته مع عبان رمضان: ''كنت رفقة الشهيد عمارة رشيد، لأن خاله رابح أويحيى، عم الوزير الأول الحالي، كان شريكا لي في المحل بوهران، وخلال مرورنا بسوق ميشلي، التقينا برمضان ناث يراثان سنة .1955 وتحدثنا حول الهوية الأمازيغية للجزائر، لكنه كان يرى أن الأولوية هي محاربة الاستعمار، وتفادي أي تفريق للأمة، وفي الاستقلال كل المشاكل تحلّ بين الجزائريين''. لا مجال للمقارنة بين جزائر كان يسيّرها رجال وما يحدث حاليا التحاقه بالثورة كان في سنة 1956 بعد لقائه بالمناضل سي أحمد لفزوز في وهران. صمت برهة ثم قال: ''تريد أن تعرف من هو سي أحمد لفزوز؟ هو العربي بن مهيدي، كنا نعرفه كبائع للمشروبات الغازية''. طلب منه الاتصال بمحمد بن علي وسي بوعلام، نقابيين بميناء وهران، لتنظيم مظاهرة للتنديد باغتيال الدكتور بن عودة بن زرجب في جانفي 1956 على يد المستعمر الفرنسي. انطلقت المظاهرة بعد التحاق المئات من عمال الميناء لتجوب شوارع وهران، وازداد عدد المتظاهرين. هنا، تذكر دا عبد الله قصة مثيرة: ''عند مرورنا بشارع بائعي المجوهرات بالمدينة الجديدة، تعرضت واجهات محلات اليهود للتكسير، دون تسجيل سرقة مجوهرات، وحتى اليهود عند إيداعهم لشكاوى، اعترفوا أمام الشرطة بعدم وجود سرقات''. تنفس هنيهة وقال: ''لا مجال للمقارنة بين جزائر كان يسيّرها رجال وما يحدث حاليا''. بعد أن بلغه خبر مفاده أن الشرطة بصدد البحث عنه لأنه كان ضمن المتظاهرين، تنقل إلى سيدي بلعباس عند أحد معارفه، ومكث هناك وأراد ربط الاتصال بالثوار. وكان له ما أراد، عند لقائه ببن مهيدي مجددا في سيدي بلعباس، حيث وجهه نحو محل قاسي محند بوسعد المدعو ''أقشيش''، وبدأ التحضير لعمل فدائي رفقة شيران الطاهر، وتحت إشراف أحمد ولد الشاطر، نفذ عملية بتصفية أحد المخبرين كان يتعامل مع البوليس الفرنسي. ألقي عليه القبض أواخر سنة 1956 بعد ''وشاية'' من صاحب مزرعة، لجأ إليها مع رفاقه، وتعرّض للتعذيب. حكم عليه بعشرين سنة سجنا وأشغال شاقة، تقلصت إلى عشر سنوات بعد الطعن. ومن هنا، بدأت رحلته مع السجون والكتابة باللغة الأمازيغية، التي شاركته كل هموم وكوابيس السجن. كان يستعمل ورق أكياس الإسمنت بعد تجفيفها وتصفيفها، وكتب عليها أول قصة سماها ''مارواس وبرج الشمس''. بعد نقله إلى وهران، التقى بحاج بن علة، حفاف عمر، آيت منفلات سماعيل، وكذا محمد إيقروفة، الهادي حمدادو، سوداني بشير، كانوا كلهم على متن سفينة ''أتوس'' المحملة ب80 طنا من الأسلحة قادمة من مصر، أوقفتها السلطات الفرنسية في عرض مياه وهران في 23 أكتوبر .1956 يروي دا عبد الله كيف تعرّف على محمد إيقروفة، المنحدر من منقطة أقبو بالصومام، واهتمام هذا الأخير بكتابته بالأمازيغية وشجعه على ذلك: ''تألمت لما بلغني خبر اغتياله في سجن الشلف سنة 1958 وقيل إنه انتحر شنقا في زنزانته، أكذوبة لا يصدقها من عرفه عن قرب''. أثناء تحويل السجناء من وهران نحو سجن ''لامباز'' الرهيب، شاءت الصدف أن يكون رفيق دا عبد الله في السلاسل المناضل المرحوم الحاج بن علا. استغل تواجده بسجن وهران لكتابة رواية ''القاضي والخطابة''. وجد في سجن ''لامباز'' مناضلين كعبد الحميد بن الزين، سوياح الهواري، جلولي لحبيب، آيت عمار براهيم، بن عربة محي الدين، محمد مرزوقي وآخرين. لا يزال يحتفظ في ذاكرته بالتعذيب الوحشي الذي تعرّض له المناضل الجزائري مختار، من الغزوات، واستشهاده بالمستشفى. وفي سنة 1960 وبعد اعتراف فرنسا بهم كسجناء سياسيين، تم تحويل دا عبد الله نحو محتشد ''بيردو'' بتيارت، وقد استعاد في هذا الصدد ذكريات رفاق تم اغتيالهم في المحتشد بداعي ''جمع الحطب''. عندما طلب منه الضابط تحضير نفسه للخروج من المحتشد، تيقن دا عبد الله أن ساعته قد دنت، ولم يهدأ له بال حتى ركوبه القطار نحو وهران. وجد أزقة وهران ساحة للتقاتل بين منظمة ''أو.أ.أس'' وجبهة التحرير، وفلت بأعجوبة من كومندوس هذه المنظمة. معركة من أجل ''ماسينيسا'' تفرّغ دا عبد الله بعد الاستقلال لقضيته الأولى والأخيرة، الأمازيغية، كما تفانى في تربية أولاده وأولاد شقيقه المتوفى، وقام بفتح محل للخياطة على المقاس، بعد أن نجح عن طريق المراسلة في افتكاك شهادة خياطة من مدرسة فرنسية ذائعة الصيت. كان يضع أوراقا أمامه على الآلة التي يشتغل عليها، ويكتب كل ما خطرت له فكرة. سرد لنا فحوى حديث جمعه مع حسين آيت أحمد سنة 1946: ''التقينا بمنزل جدي بآث داود الذي تحوّل إلى مركز قيادة لحركة الأفافاس، وعبّرت له عن تشاؤمي من انتصاره لعدة أسباب شرحتها، وقلت له إن سقوط 300 شهيد خير من وفاة 30 ألف رجل، وانصرفت راجعا إلى وهران''. لقاؤه مع الكاتب مولود معمري كان في سنة 1963: ''عاتبته على كتابته باللغة الفرنسية فقط وإهمال لغة أمه، واكتفائه بتكوين مترجمين قضائيين للإدارة الفرنسية، وعاهدني قبل افتراقنا على إنجاز عمل حول أشعار سي محند أومحند. وبالفعل، بعث لي معمري الكتاب سنة 1967 وطلب مني كتابة الفهرس''. في سنة 1968 دخل أربعة رجال محله بشارع العربي بن مهيدي: ''أخذوني في سيارة سوداء، مغمض العينين، وسألوني عن علاقتي مع حركة الأفافاس، ونضالي من أجل الأمازيغية، لكنني أفهمتم أنني غير متحزب. وبقيت في زنزانة انفرادية لمدة عشر أيام، أظن أنها القصر الإسباني، وعلمت فيما بعد أن العملية كانت تحمل رمز ''قتل العصفور في البيضة''، موجهة ضد المعارضة''. سكت دا عبد الله ليسترجع أنفاسه واستمر قائلا: ''كنت أسمع صراخ رجال كانوا تحت التعذيب، وكان من بين المقبوض عليهم مسعود محمد ودالي أحمد وسليم، بقوا في السجن لمدة أربع سنوات، بسبب انتمائهم للأفافاس''. اضطر دا عبد الله سنة 1970 لخوض معركة مع مصالح الحالة المدنية والعدالة، امتدت لشهور، من أجل تسمية ولده ''ماسينيسا''. ونشر إعلانا في جريدة الجمهورية آنذاك، تلقى على إثره مئات رسائل التأييد، من مختلف مناطق الجزائر، وانتزع الحكم القضائي بعد مناظرة طويلة مع وكلاء الجمهورية. عراقيل لم تثبط عزيمته في مواصلة النضال، حيث قام سنة 1985 بتأسيس جمعية ''أسيرام'' رفقة مجموعة من الطلبة، من أمثال كمال ناث زراد وجمال بن عوف وزعموش سعيد وآخرين، لا يتسع المقام لذكرهم. من يتجرأ على الخوض في قواعد اللغة الأمازيغية مع دا عبد الله كمن يبحر في بحر بلا أعماق، نظرا لإلمامه بقواعدها، وهو لا يخفي أنه من دعاة استعمال الحرف اللاتيني لأسباب موضوعية، يحصرها في تشابه الأحرف الأمازيغية مع اللاتينية، بحكم الانتماء لحوض المتوسط. ويرى أن عدد الحروف العربية ال28 لا تسع الحروف الأمازيغية البالغة 36 حرفا، وحتى استعمال حركات الضبط سيصعب من عملية النطق، وبالتالي عزوف الناس عن قراءتها. ويجد ضرورة توحيد اللغة الأمازيغية في لغة واحدة، كما فعل العرب مع اللهجات الحميرية، القريشية والمخزومية. يعتبر دا عبد الله أن بقاء اللغة الأمازيغية حيّة بعد زوال معظم اللغات القديمة في حوض المتوسط، دليل كاف على متانة وصلابة قواعدها اللغوية، وقدرتها على البقاء.