كلما أثير موضوع الفساد ونهب الممتلكات والمال العام، حدثنا مسؤولونا عن ''المافيا'' وعن ''بعض الأطراف'' دون أن يعرّفونا، ولو مرة واحدة، بهوية هذه الأطراف أو تركيبة هذه ''المافيا'' رغم ما للدولة من مؤسسات وإدارات قادرة على كشف كل ''مستور''، ولو أن كل شيء ''مفضوح'' في الواقع، لأن أي مواطن بسيط في أي مقهى شعبي يمكنه أن يعطي بالتفصيل وبالأسماء معلومات مدققة عن عمليات النهب والرشوة وعن التجاوزات وخرق القانون. والإشكال، كل الإشكال في الإرادة وفي تطبيق القانون. وقد أكد هذا ''شاهد من أهلها'' حيث صرح وزير الداخلية، بخصوص تنسيقيات المساندة التي انتشرت في عهد الرئيس بوتفليقة قائلا ''هذه الفئة لا تخضع لقانون الجمعيات ولا نعترف لها بهذا الحق وهي تنشط خارج القانون''. وهنا من حقنا أن نتساءل، لماذا لم تمنع هذه التنسيقيات من النشاط ما دامت غير قانونية؟ ومن هي ''الأطراف'' التي سمحت لها بالعمل واكتساب نفوذ بلغ في بعض الحالات حد الضغط لتعيين وإقالة المسؤولين؟ منذ ثلاثة أيام، عبر وزير الداخلية أيضا عن صعوبة مكافحة ظاهرة ''الشكارة'' في الحياة السياسية، مما يوحي بأن أولي أمرنا لم يبق لهم سوى الإعلان بشكل واضح وصريح، بأن الفساد وخرق القانون قدر محتوم، وعلينا أن ''نوكّل ربي'' ونستسلم للأمر الواقع. لكن، لماذا تفشت ظاهرة ''الشكارة'' في الحياة السياسية واستشرى الفساد في المجالس المنتخبة؟ السبب واضح ومعروف، وأبسط مواطن يمكنه أن يجيب بأن ذلك يعود لكون المناصب السياسية والعهدات الانتخابية على جميع المستويات، أصبحت استثمارا يدر الملايير على اللصوص والطامعين في الربح السهل والسريع دون أي جهد. وسبب هذا أيضا واضح، وأبسط مواطن يعرف أن الإدارة تمنح امتيازات غير قانونية لأصحاب النفوذ من المسؤولين السياسيين والمنتخبين لضمان ولائهم، وهذا التبادل في المنافع غير الشرعية هو سبب البلاء. ومن هذا لمنطلق، فإن فساد الأحزاب من فساد الإدارة، وهو استلزام منطقي بلغة الرياضيات. عندما تتحمل مسؤولية الإدارة إطارات نزيهة تعين على أساس الكفاءة، فإنها لن تمنح أي امتياز غير قانوني لأي منتخب أو مسؤول سياسي، لأنها لا تكون في حاجة إلى أحد لحمايتها أو ضمان بقائها في المنصب. وبهذا تقع عملية التصفية في المشهد السياسي وينسحب منه اللصوص، ولن يتقدم للانتخابات وممارسة النشاطات السياسية سوى من له نية صادقة في العمل وليس الإنتفاع بامتيازات غير قانونية. لذلك، أعتقد بأن قطع دابر الفساد يبدأ من الإدارة لأنها ''منبع الشكارة'' التي ستختفي من المشهد السياسي باستلزام منطقي. [email protected]