برزت، خلال العشريات الثلاثة الماضية، مع تطور الصناعة الغذائية، عدة مستحضرات كيميائية تستخدم لضمان حفظ الأغذية لمدة أطول وإعطاء الذوق واللون المرغوب للمشروبات والأطعمة، إنها المواد الحافظة والملونات والمواد المضادة للأكسدة التي أضحت يوميا تعرض على موائد الجزائريين، والتي يحوم حولها الجدل بين الخبراء. يحذر خبراء التغذية في العالم، من الانتشار الواسع لهذه المواد التي تتسبب في أمراض خطيرة، ومن بين هؤلاء الدكتور الأمريكي روسيل بلايلوك، الخبير الدولي في جراحة الأعصاب والتغذية، الذي ألّف ثلاثة كتب حول مخاطر المواد المضافة والحافظة والملونات، من بينها مادة ''أسبارتان'' التي تستخدم لإعطاء ذوق خاص للمشروبات. كما يتم التحذير من مضاعفات سلبية لموا مضاعفة مثل ''نيتروسامين'' و''السولفيت'' و''الغلوتامات'' المستخدمة كثيرا في الصناعة الغذائية لمضاعفة الذوق في المشروبات الغازية والمواد الغذائية المحفوظة والمجمدة، مثل السمك واللحوم البيضاء والحمراء. كما تحذر الخبيرة الفرنسية كورين غوجي، صاحبة كتاب ''خطر المواد المضافة أو الحافظة للأغذية'' والأستاذ جاك صاموئيل، من الاستخدام المفرط لمثل هذه المواد في كافة المنتجات المستهلكة، إذ نجدها في اللحوم البيضاء والحمراء ومشتقات الألبان والعصائر ولكن أيضا الحلويات والشكولاطة، لأنها تقدم اللون المرغوب أو الذوق المطلوب أو تحفظ المنتوج لمدة طويلة ولكن غالبا ما يتم طلك في النهاية على حساب الصحة، وغالبا ما تأخذ هذه المواد الحافظة رموزا لا ينتبه إليها المستهلك كثيرا ولا يعيرها أهمية، لأنها تكون ضمن التركيبة وبالتالي تمر دون اهتمام الكثير، رغم أن انعكاساتها على المدى المتوسط والطويل يمكن أن تكون قاتلة.
تغيب لديهم ثقافة الاطلاع وهمهم الوحيد الثمن جزائريون يجهلون ما يستهلكون تشهد السوق الجزائرية انتشارا واسعا للمواد الغذائية المعلبة التي تلقى رواجا لدى المستهلك الجزائري، إلا أن العديد، إن لم نقل معظم الجزائريين، يستهلكون مواد يجهلون تركيبتها، نظرا لغياب ثقافة الاطلاع لدى المستهلكين. في جولة عبر عدد من الأسواق والمحلات والمساحات الكبرى بالعاصمة، قامت ''الخبر'' باستطلاع حول ما إذا كان المستهلك الجزائري يعرف مكونات المنتج الذي يستهلكه وبالأخص الإضافات الغذائية. البداية كانت بمساحة كبرى ''سوبريت'' في القبة، اقتربنا من السيدة ''فتيحة''، ربة بيت، كانت بصدد اقتناء قارورة عصير، وبمجرد أن قمنا بطرح السؤال عليها حول ما إذا كانت تطلع على مكونات مشترياتها، حتى أجابت بالنفي قائلة ''لم تأت ببالي فكرة أن أنظر إلى ما هو مدوّن خلف القارورة، بقدر ما تهمني العلامة التجارية التي شاهدتها في التلفاز''. أما سيدة أخرى كانت بصدد شراء علب البسكويت، فقالت ''أنا أطلع على ما هو مدوّن في خانة المكونات، إلا أنني ألتقي أحيانا برموز لا أفهم معناها''. وقال حسين، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية العامة بالأبيار: ''هناك زبائن يشترون فقط ولا يهمهم غير الثمن، بينما هناك آخرون يقرأون الخانة التي تدوّن فيها المكونات ويعرفون قراءة المكونات والمواد الحافظة وتأثيراتها، حتى أنهم يمتنعون أحيانا عن اقتناء المنتوج بسبب دخول مواد كيماوية في تركيبته''. ويضيف حسين ''اشتغلت في عدة أحياء بالعاصمة ولاحظت أنه في الأحياء الشعبية مثل الحراش وباش جراح يشترون دون إعارة أي اهتمام لتركيبة المنتج، بينما في الأحياء الراقية أو التي يقطنها أشخاص ذوو مستوى معيشي جيد، فإنهم يعيرون نوعا من الاهتمام للمنتوج''. وبإحدى المساحات الكبرى بأعالي حيدرة، وقفنا على عدة حالات لزبائن يقرأون مرارا وتكرارا المكونات، كحالة السيدة رجاء من حيدرة، التي كانت تقرأ مكونات علبة مصبرة من الذرة، وعند اقترابنا منها قالت ''أخاف كثيرا على أولادي فيما يخص التغذية، لأنني أخشى تأثير المواد الحافظة على صحتهم خصوصا أنهم أطفال، وفي أحيان كثيرة أمتنع عن اقتناء المنتج في حال كانت به عدة مواد حافظة، وإذا اضطررت فإنني أستعين بالماركة الأجنبية، لأنني متيقنة من أن الشركات هناك تحترم المعايير في إضافة المواد الحافظة، عكس بعض الشركات في الجزائر التي لا تصرح أحيانا بتركيبة المنتج وبأن به مواد حافظة، لأن بعضها ممنوع دوليا''. في نفس السياق قال سمير، وهو عامل بمصنع للمشروبات الغازية، إنهم يستعملون مادة لتعويض السكر، إلا أنهم يرفعون تركيزها في تركيبة المشروب، حيث إن 1غ منها يعادل 34 كغ من السكر، والخطير في الأمر، يقول سمير، أن المادة يمكن أن تسبب السرطان مع مرور الوقت.
الدكتور لامالي ل''الخبر'' الإضافات الكيميائية والصناعية للأغذية مضرة بالصحة شدّد الطبيب المختص في مستشفى زميرلي، الدكتور لامالي، على أن المواد الحافظة وكل الإضافات الكيميائية للمواد الغذائية مضرة بالصحة، وهو ما يدفع العالم حاليا إلى العودة إلى المنتجات الطبيعية رغم كلفتها، مضيفا أن تعميم استخدام هذه المواد يمكن أن تكون انعكاساته خطيرة، خاصة مع تسجيل انتشار كبير لأمراض المعدة والقولون وارتفاع نسب الإصابة بالسرطان. وأوضح الدكتور لامالي بأن غياب ثقافة المستهلك، يجعل الجزائريين عرضة لأمراض حديثة نتيجة الاستهلاك المفرط لمواد محوّلة أو تضاف إليها مواد كيميائية أو صناعية، وبالتالي وجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة على مستوى جمعيات حماية المستهلكين وقطاعات الصحة والتحسيس والتوعية بالمخاطر التي يمكن أن تمثلها المواد المضافة والحافظة على الصحة، التي تستخدم على نطاق واسع. ولاحظ لامالي ''هنالك مواد ملونة وحافظة أثير حولها الكثير من الجدل مؤخرا، مثل أسبارتان وبيفينول، التي تدخل في صناعة أكياس البلاستيك وأغلفة المواد الغذائية وعلب مشتقات الحليب وحتى رضاعات الأطفال والتي يمكن أن تكون مضرة بالصحة. واستطرد الطبيب المختص ''هنالك رهانات كبيرة، لأن صناعات كبيرة أضحت قائمة بمئات الملايير وتشكل لوبيات تمثل المصالح الكبيرة لمثل هذه الصناعات، وبالتالي وعلى غرار التبغ وغيره، فإن التوجه هو لتعميم استخدام مثل هذه المواد، لأنها توفر مواد غذائية يمكن أن تحفظ لمدة طويلة أو تنوع في الأذواق والألوان، وهذه الأمور تتماشى مع المجتمعات الحديثة التي ترغب في التغيير دائما، ولكن مع ذلك هنالك وعي بخطورة مثل هذه المواد.
ما هي المواد الحافظة؟ كثيرا ما يتصادف المستهلك الجزائري لدى اطلاعه على مكونات السلع التي اقتناها وبالأخص المواد الغذائية برموز كE111 وE 332 وE101، التي لا يفهمها ولا يدرك سبب وجودها ضمن مكونات المواد التي اقتناها. تلك الرموز عبارة عن مواد طبيعية أو كيميائية، تضاف إلى الأطعمة بهدف المحافظة على سلامتها أو لتحسين لونها أو مذاقها. واستخدام المواد الحافظة أسلوب قديم استعمله الإنسان البدائي الذي استخدم الملح والسكر في حفظ الأطعمة، واستخدمت البهارات والتوابل بأنواعها وحامض الليمون في حفظ أطعمة أخرى. إلا أنه مع التطور الذي عرفه العلم، ظل استخدام تلك المواد قائما لنفس الغرض، لكن بأساليب جديدة تضمن نتائج أفضل، فبالإضافة إلى المواد الحافظة الطبيعية تم استخلاص إضافات غذائية جديدة من مواد كيميائية، نذكر من بينها مادة ريبوفلافين مادة ملونة، وحمض السوربيك مادة تحفظ الأطعمة من الفساد، ومالتول maltol مادة لتطييب المذاق، تستعمل لإعطاء الخبز والكعك رائحة وطعما يوحيان بأنه طازج، وسوربات الكالسيوم مادة تحفظ الأطعمة من الفساد. ويجد المستهلك أن أغلب المواد الحافظة التي تنقسم إلى 4 أصناف: 1 تمنع الطعام من الفساد والأكسدة ، 2 تضيف للطعام لونا، 3 تضيف للطعام رائحة، 4 تضيف للطعام ذوقا، يجدها تحمل حرف E وهذا يدل على أن المضاف معتمد من قبل الاتحاد الأوروبي. إلا أن هناك العديد من الدول تمنع بعض المواد الحافظة التي تضاف إلى المواد الغذائية لخطورتها على صحة المواطنين، وحتى منع المنتوج نهائيا مثلما حدث في ألمانيا، حيث تم منع ترويج مسحوق عصير، بينما مازال يسوّق في الوطن العربي والجزائر، وبومضات إشهارية تستهدف الأطفال. وهناك دراسات حديثة نشرها موقع ''ساينس ديلي'' الإلكتروني المتخصص في مجال العلوم والصحة، أثبتت وجود تأثير لهذه الإضافات الغذائية التي لا تظهر سريعا بل تعتمد على التراكم والتأثير على المدى الطويل، وخطرها يكون أشد على الأطفال لطبيعة ما يتناولونه من حلويات مختلفة، تضاف إليها المواد الملونة والحافظة لإعطائها نكهات مميزة تحظى بالقبول لدى الأطفال. ومداومة الأطفال على هذه الأطعمة وفي سن مبكرة، يعجل بظهور أعراض وأمراض بسبب المواد الحافظة.
يشترط لدى استخدام أي مادة حافظة أو ملونة في مادة غذائية، أن يتم الإشارة إليها بوضوح وبالرمز المعادل لها، لأن هذه المواد ليست غذاء ولكنها تضاف لغرض محدد، مثل تأخير فساد المادة وتأثرها بالميكروبات وتحسين الذوق أو المظهر الخارجي، وصنفت أكثر من 150 مادة مضافة أو حافظة أو ملونة أو مضادة للأكسدة، تستخدم على نطاق واسع.