تمتلئ السوق بالآلاف من السلع المختلفة والمتعددة المنشأ، وأمام المستهلك خيار جد واسع جعل نمط الاستهلاك سواء تعلق بالغذاء أو اللباس أو مواد التنظيف والماكياج، يتغير كثيرا في الجزائر. لكن السؤال الذي نطرحه هو ''هل يعرف الجزائريون ماذا يستهلكون؟''... نظرة عامة في الأسواق باختلافها تجعلنا نجزم أن ''مكونات السلع'' هي آخر اهتمامات الأغلبية... أما أولها فهو السعر. خلال تجولنا بمختلف نقاط البيع، سواء كانت غذائية أو محلات لبيع العطور والماكياج أو أسواق الملابس، من النادر جدا أن نشاهد شخصا يقرأ مكونات أي مادة أو سلعة. فالجميع يركزون على السعر ثم على مصدر السلعة وشكلها. ويعد السعر في حقيقة الأمر الفاصل في قرار اقتناء السلعة من عدمه. وكثيرا ماكتبنا عن ظواهر صحية خطيرة أصبحت منتشرة ببلادنا، على رأسها اقتناء المواد الغذائية ومواد التجميل خصوصا من الأسواق الفوضوية وحافة الطرقات دون أدنى اعتبار لنوعيتها وجودتها، فسعرها المنخفض جدا يغري بدل أن يخيف أو يقلق المستهلكين. لكننا اليوم أردنا التطرق لمسألة مدى إدراك المستهلكين لأهمية معرفة مكونات المواد التي يقتنونها... وللأسف، لاحظنا ونحن نتحدث في الموضوع مع الناس وكأننا نفتح موضوعا غير مهم وبعيد تماما عن اهتماماتهم، على أساس أن هناك انشغالات أكبر وهي ''القدرة الشرائية، الارتفاع الكبير في الأسعار خلال الأشهر الماضية، عدم توفر بعض المواد...الخ''، نعم كل هذه الأمور مهمة... إلا أننا نقول في أمثالنا ''الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لايراه إلا المرضى''، والحديث عن مكونات مانأكل ومانشرب ومانلبس ومانضع على وجهنا من كريمات وماكياج، هو عنوان رئيسي لما سيكون عليه هذا التاج، وهو ما لايعيه المستهلك الجزائري. أدركت قيمة معرفة مكونات المواد بعد تعرضي للمرض وتعترف أمال أنها منذ أقل من ثلاث سنوات فقط لم تكن تعر هذه المسألة أدنى اهتمام، وكانت تقتني مايناسبها من حيث الذوق والسعر، لكن ماحدث لها من مشاكل صحية جعلها اليوم تعطي نفسها دقائق لقراءة مكونات ماتشتريه خاصة المواد الغذائية والملابس الداخلية، تقول: ''في البداية لم يكن يهمني الأمر، لكن إصابتي بحساسية تجاه بعض المواد واطلاعي على بعض المقالات حول الموضوع، جعلني ألتفت أكثر فأكثر إلى الموضوع، فأصبحت مثلا أدرك أن حمض الستريك الذي تحتوي عليه الكثير من المواد الغذائية ضار بالصحة مثله مثل الحافظ، وأصبحت أحاول قدر الإمكان تجنب اقتناء السلع التي تحتوي عليه. كما أن قراءاتي سمحت لي باكتشاف أن بعض المواد تحتوي على مشتقات من الخنزير، لذا أصبحت أكثر انتباها لما أشتري... أما بالنسبة للملابس، فإن تعرضي لمشكل صحي ألجأني للطبيب وهو من نبهني إلى أهمية معرفة المواد ونوعية الأقمشة التي نلبسها لاسيما تلك التي تلامس الجلد مباشرة... ومن وقتها وأنا أنتبه عند الاختيار، حيث أفضل المواد القطنية. وفيما يخص مواد التجميل، فإنه يجب الاعتراف أنه من الصعب جدا معرفة ماهية مكوناتها، لذا فإنني وجدت أن أحسن حل هو اقتناء المواد الغالية الثمن التابعة لماركات عالمية معروفة، باعتبار أنها مصنوعة على أسس ومعايير تستجيب للنوعية''. ويمكن القول أن نصيرة من المستهلكين القلائل الذين أكدوا لنا اهتمامهم البالغ بمكونات المواد المستهلكة، إذ أبدت حماسا كبيرا وهي تحدثنا عن الموضوع، مشيرة إلى أنها فعلا تعودت على قراءة مكونات المواد، وتشير على سبيل المثال إلى أن المواد الغذائية المعلبة تحتوي على الكثير من المواد المضرة بالصحة كالملونات والمواد الحمضية والنكهات، لذا فهي تعمل قدر الإمكان على تجنب اقتنائها. وبالنسبة لمواد التجميل، فتعتبر أن المشكل المطروح هو عدم فهم ماهية المواد المكتوبة عليها التي هي عبارة عن رموز لمواد كيميائية لايعرفها إلا المتخصصون في الميدان... والحل بالنسبة لها كما تقول ''أفضّل الحد من استهلاكي لهذه المواد قدر الإمكان وأكتفي بالغاسول وببعض مواد تنظيف البشرة، وأتجنب الكريمات والماكياج... أصدقكم القول أنني حتى هاته استعملها دون أن أكون مطمئنة، لكن ما باليد حيلة... المشكلة ونحن نتحدث عن هذا الموضوع هو أن هناك حديثا عن هذه الأمور لكن هناك بالمقابل غياب لآليات ميدانية رقابية تسمح بتوعية الناس، كما هو موجود في الدول المتقدمة''. غياب آليات الرقابة والتوعية سبب اللاوعي نفس الفكرة تطرحها سامية وهي إعلامية، إذ تشير إلى أن المشكلة ليست فقط في غياب الوعي لدى المستهلكين ولكن كذلك في غياب أجهزة وآليات تدفع إلى أخذ الأمر بمحمل الجد. فهي شخصيا تشير إلى أن اهتمامها بالمكونات ولو أنه كان من قبل بفعل الفضول، إلا أن متابعتها لحصص في القنوات الفرنسية جعلها تدرك مدى خطورة الأمر. فهذه المتابعات كشفت لها ماهية الكثير من الرموز التي كانت مجرد حروف أو أرقام، لكنها تحولت إلى هاجس بفعل ما يقوله الأخصائيون عنها. أما بالنسبة للملابس، فإنها منذ زمن بعيد كانت تحرص على قراءة نوعية القماش قبل اقتناء أي شيء، إذ تفضل دوما اقتناء ماهو مصنوع من المواد الطبيعية كالقطن والصوف والكشمير، والابتعاد قدر الإمكان عن الأقمشة الصناعية التي أثبتت أنها ليست فقط مضرة بالصحة ولكنها تتسبب في إصدار روائح كريهة. السيد حريز: الخطر يأتي من ''تجار الشنطة'' سألنا السيد زكي حريز رئيس الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين عن الموضوع فأشار إلى أهمية معرفة مكونات السلع التي نقتنيها، مركزا على مواد التجميل الذي اعتبر أنها أكثر المواد التي تشكل خطرا على المستهلك الجزائري وذلك لعدة عوامل، أهمها بالنسبة له هو وجود بين 15 و20 مادة كيميائية في بعض هذه المواد، مما قد يشكل خطرا على مستخدمها، ولتوضيح الأمر أكثر، قال: ''يجب أن نعلم أن استيراد مواد التجميل يخضع للقانون الذي يفرض تحصل المستورد على رخصة مسبقة. وتقديم هذه الرخصة يتم بعد القيام بدراسة حول المواد المعنية من طرف المخابر المعتمدة. وبصفتي مسيرا لمخبر تحاليل الجودة، فإنني أؤكد أننا نقوم بتحليل المواد الأولية والمواد النهائية تحليلا بيولوجيا وفيزيائيا، بعدها يتم منح الرخصة من طرف وزارة التجارة''. لكن المشكل المطروح يكمن في المواد والسلع التي تدخل إلى الجزائر عبر الطرق غير الرسمية لاسيما عن طريق مايسمى ب''تجارة الشنطة''، حيث يشير محدثنا إلى أن الكثير من أصحاب محلات بيع مواد التجميل والعطور يلجؤون إلى جلب مواد بصفة شخصية عبر مسافرين عاديين، وهي بالتالي مواد لاتخضع إلى الرقابة،''الكثير من هذه المنتجات يتم جلبها من تركيا ودبي وحتى الصين، وهي ليست أصلية أي مقلدة، وهو مايزيد خطرها''. ماينبه إليه السيد حريز من جانب آخر، هو الخطأ في استعمال مثل هذه المواد بفعل عدم الالتزام بالتعليمات والتحذيرات المكتوبة في النشريات الخاصة بها، إذ يعتبر أن الكثير من المستهلكين يهملون هذه التعليمات ولا يولونها أدنى اعتبار، وقد يستخدمون هذه المنتجات بكميات كبيرة وهو مايؤدي أحيانا إلى حدوث ما لايحمد عقباه. المواد الحافظة هي الأكثر ضررا سألنا محدثنا عن أهم المواد الكيميائية التي تشكل ضررا على الصحة والتي يجب أن ينتبه إليها المستهلك فخص بالذكر ''الفورمول''، وهي مادة حافظة تستعمل خصيصا في مواد التجميل التي قال أنها مادة خطيرة وقد تسبب السرطان، إضافة إلى سلفات الصوديوم الذي يستعمل كثيرا في اللحوم والأسماك المجمدة والذي يتسبب في مخاطر صحية إذا استخدم بكميات كبيرة. وهناك مواد أخرى تستخدم في بعض المنتجات وهي معروفة بكونها مسرطنة، لذلك شدد السيد حريز على ضرورة انتباه المستهلك لمكونات السلع التي يقتنيها قائلا: ''يجب على المستهلك أن يكون ذكيا، اليوم هناك تطور واهتمام لدى المنتجين بضرورة عدم استخدام المواد الضارة، وهو ما أدى مثلا إلى تحسين طرق التغليف من أجل الاستغناء عن المواد الحافظة، وأنا أنصح باقتناء المواد الخالية من الحافظ لأنها جيدة صحيا''. وبالنسبة لحمض الليمون، قال ذات المصدر أنه ليس مضرا بالصحة لأنه وبكل بساطة مادة بيولوجية وليس كيميائية، ''حمض الليمون عبارة عن بكتيريات وليست مادة كيميائية، لذلك فإن استخدامها لايشكل أي خطر على المستهلك''. لكن القول بأن على المستهلك أن يعي مايوجد في طاولته أو في حقيبته من أشياء، يقودنا إلى السؤال عما تقوم به جمعيات حماية المستهلك من مبادرات من أجل تحسيسه وتعليمه كيفية التفريق بين الصالح والطالح؟ يرد السيد حريز بالقول: ''حملات التوعية والتحسيس ضرورة وهي تعمل على تلقين المستهلك كيفية حماية نفسه بنفسه من خلال تعليمه الثقافة الاستهلاكية، لكن يجدر بنا القول أن هناك صعوبات تعترضنا للقيام بمثل هذه المهمة، فمثلا اقترحنا على التلفزيون الجزائري إعداد حصة عن الاستهلاك لكن قوبل اقتراحنا بالرفض، ونحن نطمح في أن يكون فتح مجال السمعي البصري فرصة لنا من أجل تحقيق هذا المشروع''. في انتظار ذلك، فإن المستهلك سيكون أمامه الاختيار بين أن يعي لذاته ومن أجل مصلحته وصحته، وإما أن يقفل عينيه ويقتني مايتوافق وجيبه ولسان حاله يقول ''ربي يستر''.