عاشت مدينة تيارت، منذ الثانية والنصف من زوال أمس، مظاهرات عنيفة، مباشرة بعد تشييع جنازة الشاب المنتحر حرقا هشام قاسم، خلفت خسائر كبيرة في المقرات العمومية والخاصة، وجرح ما لا يقل عن 6 أعوان أمن. واستمرت المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن إلى غاية ساعة متأخرة من مساء أمس. تحولت جنازة الشاب هشام قاسم، الذي توفي متأثرا بحروق، إلى مواجهات بعد ظهر أمس، بين الشباب وعناصر الأمن في طريق العودة بعد تشييع الجنازة، حيث اندلعت الشرارة الأولى للمواجهات أمام مبنى وكالة التنظيم والتسيير العقاريين ''لافكوت'' في مفترق الطرق المؤدي إلى مبنى الولاية وطريق ''الريجينة''. لتحاصر مصالح الأمن المقرات العمومية، وتضرب طوقا على المدينة، واستعملت الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، إلا أن المواجهات لم تتوقف. وكانت جنازة الشاب هشام، الذي فارق الحياة أمس الأول في سيارة الإسعاف، التي نقلته من مستشفى وهران إلى العاصمة، قد انطلقت في شكل مسيرة سلمية في حدود الساعة منتصف النهار والنصف من مقر إقامت عائلته بحي وادي الطلبة مرورا بطريق خودمي، مولاي ناجم، البلاصة. ووضع جثمان الفقيد في سيارة قبل أن يرفع النعش على الأكتاف بالقرب من وسط المدينة، وتوقفت الجنازة أمام المكان المعروف ب''درج سالم''، وهو المكان الذي أحرق فيه هشام نفسه بالبنزين إثر مناوشات بينه وبين عنصر من الأمن صبيحة الخميس الماضي، واعتبرها بعض الذين حاورتهم ''الخبر'' في المسيرة بوقفة تضامنية مع الفقيد في مكان الحادث. وجابت المسيرة شارع الريجينة باتجاه المقبرة في طريق الجزائر العاصمة، في ظل خلو الشوارع التي مرت منها من عناصر الأمن، وحمل خلالها المشاركون لافتات منها ما كتب عليها ''هذا هو ثمن الحفرة''، و''من المسؤول على وفاة هشام''، توسطتها صورة مكبرة للشاب المتوفي، ورفعوا شعارات مطالبة برحيل المسؤولين، وأقدموا على نزع عدد من الرايات الوطنية في النقطة الدائرية بمنطقة الريجينة وحملوها في مسيرتهم ''تعبيرا عن انتمائنا لهذا الوطن رغم الحفرة'' مثلما قال أحد الشباب ل''الخبر''. ولم تجد النداءات التي أطلقها خال هشام داخل المقبرة آذانا صاغية ''يرحمكم الله تفرقوا بعد تشييع الجنازة، نحن لا نريد مشاكل''، ذلك أنه بمجرد أن ووري جثمان هشام التراب ورفع مشيعو الجنازة أيديهم مع الإمام للدعاء للميت، حتى انطلقت مسيرة بريتم سريع شارك فيها الحشود من الشباب، وكان مفترق الطرق الريجينة- مبنى الولاية بمثابة الشرارة الأولى للمواجهات. وكان المشاركون في المسيرة، بعد الجنازة، قد تفرقوا إلى مجموعات بعد اندلاع المواجهات، إثر التواجد المكثف لعناصر الأمن في الأماكن العمومية الحساسة، منها الطريق المؤدي إلى كل من مبنى الولاية، محكمة ومجلس قضاء تيارت، مقر دائرة تيارت، إقامة الوالي والمؤسسة العقابية. ومست عمليات التخريب في بداية انطلاقها واجهة مقر ''لافكوت''، ثم واجهة مؤسسة سونلغاز، ودخل الشباب في مواجهات بالحجارة مع قوات الأمن التي استعملت القنابل المسيلة للدموع، والتي سقط البعض منها في المنازل نتيجة القذف العشوائي في الأحياء الساخنة، وقطعت الطرقات بالمتاريس والحجارة وأغلقت المحلات التجارية وتوقفت حركة السير في معظم طرقات المدينة، إثر انتشار أعمال العنف والتخريب والمواجهات كالنار في الهشيم. ومع ذلك، وصل المحتجون إلى العديد من المقرات العمومية والخاصة، منها الإذاعة المحلية التي تعرضت واجهتها الزجاجية للتهشيم وكذا مقر مؤسسة ''تويوتا''. أما حي وادي الطلبة، الواقع في الجهة الغربية للمدينة، فقد ضربت عليه قوات الأمن حصارا كبيرا، حيث لم يتمكن المعزون الذين قصدوا أهل الفقيد، من مختلف الأحياء، من مغادرته بفعل قوة المواجهات بين المتظاهرين والشرطة. وعاشت المدينة أوقاتا مرعبة على وقع منبهات سيارات الإسعاف والشرطة ودوي طلقات القنابل المسيلة للدموع وصراخ المواطنين.