لم يسبق لملاعب الكرة في العالم عبر التاريخ تسجيل رقم مخيف في عدد الوفيات في مباراة لكرة القدم مثلما سجّله ملعب بورسعيد في مصر. الحصيلة التي قاربت المائة قتيل ومئات الجرحى بين أنصار الأهلي خاصة والنادي المصري، هي الأثقل على الإطلاق، وفاقت فظاعتها أحداث ملعب ''هيزل'' ببلجيكا الشهيرة بين جوفنتوس وليفربول في نهائي كأس أوروبا للأندية البطلة سنة ,1985 التي دفعت الأوروبيين وقتها إلى تبنّي إجراءات عملية لجعل الملاعب اليوم آمنة على المناصرين واللاّعبين والمدرّبين وكل الرسميين. وبعيدا عن الأجواء الجنائزية في مصر التي أبكت الجزائريين لهول ما حدث، وبغض النظر عن الخلافات السابقة بين الشعبين الجزائري والمصري، فإن ما حدث في ملعب بورسعيد من عنف وتقتيل بين أفراد الشعب الواحد، يحمل في طياته معاني ورسالات للفاعلين في الكرة في البلدين، الجزائر ومصر. ونقول، ونحن نترحّم على أرواح الضحايا في مصر، بأن ما سجّلته ذاكرة الكرة من أحداث في الثاني عشر من شهر نوفمبر من الام 2009 بالقاهرة، ثم في الثامن عشر من نفس الشهر في أم درمان، حمل مغالطات كثيرة في صحة ما حدث، وحمل أيضا تحريضا إعلاميا مصريا، عرّض الجزائريين والمصريين، على حدّ سواء، لخطر الاقتتال، وأريد له وقتها خدمة رغبة إعلامية ودعائية سياسية مريضة بالإثارة وزرع الفتنة. انسياق الإعلام الرياضي وراء التضخيم والإثارة والكتابات الجهوية والعنصرية، وممارسة هواية المساس بشرف الأشخاص وتضليل الرأي العام، والتمادي في السب والشتم والتجريح، كلّها توابل تجعل ما يقال وما يكتب صالحا للاستهلاك، ويصبح معه، من يسهل تحريضهم من جموع المناصرين، ''جنودا'' ينفذون دون وعي أو إدراك ما دعا إليه هذا الإعلام أو تسبب فيه بنية مبيتة. الإعلام، سواء كان رياضيا أو غير ذلك، ليس كلاما عابرا، إنما هو رسالة فعالة، يمكن أن تكون آلة تأتي على الأخضر واليابس لو أسيء استخدامها عن جهل أو دونه، ومن يسوق لما يغذي العنف من الفاعلين في الكرة، يتحملون قسطا كبيرا من المسؤولية في جعل المناصرين يحولون الملاعب إلى ساحات معارك دموية بدلا من الإبقاء عليها ميادين فرجة كروية. وإذا لم تبلغ أعمال الشغب في الملاعب الجزائرية الدرجة الخطيرة التي سجلتها مصر أم الدنيا، ونحمد الله على ذلك، فإن تجاوز من يعتبرون أنفسهم نخبة الإعلاميين الرياضيين في الجزائر الخطوط الحمراء بابتعادهم عن الموضوعية ومحاولة استغباء المناصرين ب''الشوفينينية''، واستخدام الجهوية لأغراض تجارية، قد يقودنا بخطوات ثابتة إلى ما نصفه اليوم في مصر بالكارثة. أحداث بورسعيد هي رسالة لرؤساء الأندية واللاعبين والمسيرين الذين يستخدمون الكرة ولا يخدمونها، ومظاهر التقتيل هي أيضا رسالة لمسؤولي الاتحادية والرابطة أيضا ولمن يفترض أن يؤمّنوا ملاعبنا - على أن الملاعب أصبحت قنابل موقوتة، ولا أعتقد بأن تبادل التجريح بين حناشي وإيغيل أو اتهام هذا الحكم أو ذاك بتعاطي الرشوة، أو التحول من رؤساء إلى ملوك للأندية الجزائرية - وهو سلوك قويم لا يستنسخ بورسعيد آخر في ملاعبنا.