لا نشك في صدق الرئيس عندما حذر من التلاعب بنتائج الانتخابات التشريعية القادمة، وإمكانية تعرّض الجزائر إلى هزات تكون شبيهة بالهزة التي أكلت الأخضر واليابس في الجارة ليبيا. ولا نشك ولا لحظة واحدة في كون بوتفليقة يريد أن تكون الاستحقاقات القادمة شبيهة بالاستفتاء على استقلال البلاد. ولكن فقط نتساءل: لماذا يلح الرئيس على مسألة النزاهة، ولماذا يتخوف وزيره للداخلية من احتمال امتناع الجزائريين عن التصويت، بالرغم من أن الجزائريين اعتادوا على الاستفتاءات والانتخابات منذ الاستقلال، وحسب ما أتذكره، فإن كل وزراء الداخلية المتعاقبين كانوا يعلنون أرقاما خيالية في استجابة الجزائريين لمختلف نداءات الواجب، حتى أننا كنا نشاهد أنفسنا في التلفزيون بصدد التصويت رغم أننا لم نغادر بيوتنا أصلا، وكنا نفرح بذلك ونقول إننا لسنا أكثر معرفة من الحكومة بمصالحنا. فعندما قرر النظام أن يحصل حزب جبهة التحرير الوطني على الأغلبية في البرلمان، قالت الحكومة إنها إرادة الشعب، رغم أن الشعب أخرج هذا الحزب من الحكم بالدم والنار في أحداث أكتوبر. ثم عندما قرر النظام أن تتحوّل الأغلبية إلى التجمّع الوطني الديمقراطي، قالت الحكومة أيضا إنه قرار الشعب، رغم أن الشعب لم يكن يعرف شيئا عن هذا الحزب، ثم جاءت الرئاسيات والاستفتاءات ومختلف عمليات الاقتراع وكلها تميزت بمشاركات عالية، حسب وزراء الداخلية والتلفزيون الرسمي جدا، وعندما يكون الإقبال ضعيفا، في بداية اليوم، سرعان ما كان يرتفع، بقدرة قادر، عند الزوال، فالحكومة تعرف جيدا كيف يصوّت الشعب، وتعرف حتى التوقيت الذي يكثر فيه الإقبال على صناديق الاقتراع. إذن لماذا هذا التخوف.. أم أن الحكومة لم تعد تعرف كيف تفكر في مصالحنا وتريد اليوم أن يعتمد الجزائريون على أنفسهم في تحديد مصيرهم. لا.. أيها السادة، إننا اعتدنا أن تقوم الحكومة بالمهمة مكاننا، ونريد أن تواصل ذلك، لأننا لا نعرف كيفية التصويت أحسن من الحكومة، ولا ندرك مصالحنا ومصالح البلاد بالكيفية التي تدركها الحكومة. نقول لها فقط إن هذه المرة ليست كالمرات السابقة، لأن التصويت بعد الزوال لن يكون تحت ضوء الشموع وآلات تصوير اليتيمة، كالعادة، بل يكون تحت أجهزة إنارة متطورة لأجهزة إعلام لا تنتظر سوى خلق ميادين تحرير جديدة.