لن أسمح بأزمة أخرى بين مصر والجزائر لما ذهبت الهيبة المصرية ظهرت مشاريع تقسيم مياه النيل يضع المرشح للانتخابات الرئاسية المصرية عمرو موسى، في هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة ''الخبر''، رفقة جريدة ''الفجر'' المصرية، بمقر حملته الانتخابية بالقاهرة، تصوراته حول كيفية قيادة مصر في حال وضع فيه المصريون الثقة وانتخبوه رئيسا. ويتطرق إلى علاقته مع الرئيس السابق حسني مبارك، وكذلك علاقته مع الإخوان المسلمين، ويقف عند تجربته كأمين عام للجامعة العربية. وتعهد بأنه لن يسمح بنشوب أي أزمة أخرى بين بلاده والجزائر. ايام قليلة تفصلنا عن انطلاق الانتخابات الرئاسية، ويتبارى المرشحون في تبادل الاتهامات، حيث يقول منافسوك إنك كنت جزءا من النظام السابق، وتدّعي الآن أنك ثوري، ما ردك؟ الثورة قامت يوم 25 جانفي ولم أقدها، وكنت قبلها مختلفا مع النظام، ومواقفي يعرفها الجميع، بإمكانكم قراءة آرائي في الصحف ومواقفي من القضايا المختلفة وقت النظام السابق، وما قاله ياسر عرفات عني دليل على ذلك، حيث قال بالنص ''لن يبقى عمرو موسى وزير خارجية كثيرا''، لأن خلافاتي كانت عميقة مع النظام، وقد نزلت إلى ميدان التحرير أكثر من مرة، خشية أن تتكرر موقعة الجمل مرة ثانية، حيث لو تم الاعتداء على الميدان سأكون من بين المعتدى عليهم، وشاهدا على كل ما يجري، وعندما نزلت إلى الميدان كانت هناك هتافات تردد ''يسقط مبارك ويحيا عمرو موسى''، وهو ما رفضته وطالبتهم بالهتاف ب''تحيا مصر''، وليس عمرو موسى، وكان معي وقتها عدد من الشخصيات السياسية والثقافية البارزة. ما هو شكل العلاقة التي تربطك مع رموز النظام السابق، وهل تلقيت اتصالات من أي منهم؟ رموز النظام السابق منقسمون بين السجن وخارج مصر، ولا يوجد مبرر للاتصال بهم، وهذه الاتهامات وغيرها مجرد تزوير لاغتيال شخصي، وعلى من يقول ذلك أن يصمت، خاصة وأنه ذكر لي أن مرشحا يدّعي أن له مواقف قابل مبعوثا إسرائيليا. هل وصل الخلاف بينك وبين مبارك إلى درجة جعلتك تفكر في الاستقالة من منصبك كوزير للخارجية كما فعل وزراء في السابق؟ حدث ذلك في مرحلة من المراحل، حيث أن العلاقات وصلت إلى طريق مسدود، إلى أن جاء منصب أمين الجامعة العربية. لكن مبارك كان عندما يغضب على مسؤول يقصيه، وخروجك من وزارة الخارجية ودعمك في الجامعة العربية، رآه البعض نوعا من المكافأة؟ أعتقد أنه في هذه اللحظات بالذات إقصاء وزير الخارجية بشكل عنيف كان سيكون له رد فعل حاد جدا، وهنا كان نوع من التوافق، خاصة وأن شعبيتي كانت جارفة، إضافة إلى أن المواقف أصبحت متعارضة في أشياء كثيرة. يقال إن هناك اتصالات جرت بينك وبين جماعة الإخوان المسلمين بعد الثورة، وحتى الآن، ما حقيقة ذلك؟ لقد دعيت لافتتاح المقر الجديد للإخوان المسلمين، والتقيت بكل أعضاء مكتب الإرشاد، ولم يكن اجتماعا خاصا، كما أنني زرت مقر حزب الحرية والعدالة، في إطار برنامج تبادل الزيارات التي قمت بها للأحزاب المختلفة، أما فيما يخص الانتخابات فلا يوجد تنسيق. هل عرض الإخوان دعمك في انتخابات الرئاسة قبل أن يقدموا مرشحهم؟ لم يحدث إطلاقا. ما هي الدولة الأولى التي ستزورها في حال فوزك بكرسي الرئاسة؟ السودان، لأن لي اهتماما خاصا بها، وهي أول ملف اهتممت به، كما أن البعد المصري السوداني مهم، ويجب أن يوضع في الاعتبار، وتكون هناك سياسات تسنده. وأذكر وقت أزمة ''حلايب وشلاتين'' عندما كان الجو متوترا بين مصر والسودان، سألني أحد الصحفيين، وقال لي ماذا ستفعلون في حلايب وشلاتين؟ فقلت له إن حلايب وشلاتين ليست حدود السودان، فحدود السودان هي الإسكندرية، وحدود مصر هي جوبا، وهنا بدأت تنمو العلاقة بيننا وبين السودان، وبدأت كوزير خارجية أستقبل رسميا كل المسؤولين السودانيين الذين يأتون إلى مصر لحضور مؤتمرات، وبعدها زرت السودان واجتمعت بزعمائهم، والنهج نفسه اتبعته مع كافة الدول الإفريقية. لكن الواقع يثبت العكس، فعلاقة مصر متوترة مع إفريقيا؟ الدول الإفريقية تدار بعدة أمور، أولها الزيارات على أعلى مستوى، فمن الضروري أن يزورها الرئيس، والرفع من حجم زيارات الوفود الرسمية إلى هذه الدول، إضافة إلى إدارة المصالح المشتركة بطريقة جيدة، وهذا لم يحدث في العشر سنوات الأخيرة. وأود هنا أن أشير إلى أن مشروعات بعض دول حوض النيل الخاصة بتقسيم مياه النيل موجودة في الأدراج مما يقرب من نصف قرن. والهيبة والود المصري كانا يمنعان هذه الدول من إظهار هذه المشروعات، وعندما راحت الهيبة وراح الود ظهرت هذه المشروعات. هل ترى أن هناك جزءا إيجابيا في نظام مبارك يمكن أن يستفيد منه الرئيس القادم؟ النظام القادم مختلف تماما عن النظام السابق الذي تميز بالديكتاتورية، والذي قام على حكم الفرد الواحد المانع والمانح، وهذا لن يحدث في الرئيس القادم، لأن هناك دستورا وفترة حكم محددة. إذن فلا يمكنك أن تأخذ تجربة معينة كرئيس من الرئيس السابق أو الأسبق، لأن الأساس الدستوري سيمنع أن يكون الرئيس الجديد مثل الرئيس السابق. في حال نجاحك، هل ستترشح لفترة رئاسية ثانية؟ لا، هي عهدة واحدة فقط، ولن أفصح عن الأسباب الآن. وكيف ستعمل وأنت رئيس للسلطة التنفيذية في مواجهة برلمان ذي أغلبية متناقضة؟ أرى أن حسن إدارة الأمور هو الحل، وأول شيء سأقوم به في حال فوزي بالرئاسة هو تشكيل الحكومة، لذا لابد أن أتشاور مع حزب الأكثرية، فهذا ضروري، ومن غير المعقول أن أبدأ في صدام، فهم لهم الحق في المشاركة في الحكم، من حيث أنهم يشكلون الأكثرية في برلمان الحكومة. وهل من الممكن أن يكون رئيس الوزراء من الإخوان المسلمين؟ لا قيود في هذا، لأنه لابد على الرئيس أن يعرف كيف يدير المواءمة السياسية، وبعد التشاور معهم، ومع غيرهم من الأحزاب التي لها تمثيل داخل البرلمان، تشكل الحكومة. مرّ الشارع المصري بعدة أزمات، على غرار أحداث وزارة الداخلية والعباسية، وكان لعدد من المرشحين مواقف واضحة ونزلوا واعتصموا وتظاهروا، أما أنت فلم تفعل ذلك، ما السبب؟ أنا لا أريد أن أستغل هذه المناسبات لأغراض انتخابية، وليس كل من ينزل ينزل لإيمانه بالقضية. في نفس الوقت أنا غير متفق تماما مع خلق حالة فوضى في مصر، ولايمكن أن أؤمن أن من حرقوا مبنى المجمّع العلمي هم الثوار. ولا أصدق أن الثوار هم من تسلقوا مبنى الضرائب العقارية، فهؤلاء مندسون في صفوف الثوار، وكان من الممكن أن تنهار مصر. هل تعتقد أن مصر ستهدأ بعد انتخابات الرئاسة؟ أعتقد ذلك، لأن جزءا من التوتر النفسي للمواطن مرده عدم وجود رئيس، فنحن الآن في مرحلة انتقالية، من شأنها أن تصيب المواطن بالتوتر، لأنه لا يعلم نهاية هذا الوضع، وهل ستأتي بالديمقراطية أم بالديكتاتورية، لكن عندما يكون هناك رئيس وبرلمان وحكومة ستستقر الأوضاع. وأنا من أنصار الدولة المدنية والرئاسية الدستورية، كما أن مسؤولية الرئيس المقبل كبيرة وضخمة، ولا يصح أن يتقدم أيا كان من أجل المنصب. يقال إن إحدى الدول الخليجية تكفلت بدفع مكافأة نهاية الخدمة لك كأمين عام جامعة الدول العربية، ما صحة هذا الخبر؟ هذا كلام غير صحيح، لأنه لا توجد دولة خليجية دفعت لي مكافأة، والمكافأة التي حصلت عليها دفعت رسميا من جامعة الدول العربية، بقرار من مجلس وزراء الخارجية، وانعقد بتفويض من القمة، حيث قرر أن تكون مكافأة الأمين العام بذلك القدر. وكم بلغت قيمة المكافأة؟ مكافأتي نظير خدمتي كأمين عام للجامعة العربية بلغت 5 ملايين دولار، وهم الذين حددوا هذا المبلغ، لأنني لست موظفا رخيصا، وهذا كان تعبيرا عن احترامهم لي، خاصة وأن هذه المكافأة لم يحصل عليها أحد قبلي، وأنا أرى أنه لا عيب في المرتبات المحترمة، فرئيس الجمهورية لابد أن يكون مرتبه محترما، وكذلك الوزراء، والمدرسون والصحفيون، وكل الفئات. فلابد أن ترتفع الأجور، وهذه المسألة لابد أن ينظر إليها بطريقة مختلفة، بعيدا عن سوء النية. بالحديث عن فترة توليك الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ألا تعتقد أنك مكنت قوات أجنبية من دخول ليبيا؟ يجب أن نعرف كيف كان الوضع في ليبيا وقتها، كانت هناك ثورة شعبية مثلما حدث في تونس ومصر، وفوجئ الثوار مثل شبابنا في التحرير بأنهم ضربوا بالطائرات والصواريخ، والجامعة العربية طلبت من الحكومة الليبية وقف العنف ضد المدنيين، الذي أدى إلى سقوط 30 ألف قتيل وجريح، ولكنهم لم يستجيبوا، فقمنا بتجميد عضوية ليبيا في الجامعة، لكنها لم تعر الأمر أهمية. وطالبت ثلاث دول عربية رسميا أن تبلغ الجامعة العربية مجلس الأمن بالوضع وأن يفرض حظر دولي، ووافقت عشرون دولة وتحفظت اثنتان، وهذا قرار كان من جامعة الدول العربية وليس من الأمين العام للجامعة، وحينما أبلغنا القرار لمجلس الأمن، قلت للأمين العام إن هذا ليس دعوة لاحتلال ليبيا، إنما فرض حظر جوي لحماية المدنيين. وتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا كان فجائيا، وقلت حينها ما يحدث غير مقبول، وأن أي اعتداء في بنغازي أو طرابلس، تنظر إليه الجامعة بأنه اعتداء على المدنيين. وفيما يتعلّق بسوريا؟ حاولت الجامعة العربية بالفعل، لكن كان هناك فيتو روسي وصيني. وكيف سيكون موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية وإسرائيل؟ للفلسطينيين الحق في دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدسالشرقية، وهذا لن يتغير لأن المسألة ليست التزاما عاطفيا، وإنما التزام يتعلق باستقرار المنطقة، ومصر تهتم باستقرار المنطقة، لأنه بالاستقرار يمكن تحقيق التنمية والتعاون الإقليمي، وغير ذلك، والالتزام بالمبادرة العربية، التي تضع طريقة الحل مع إسرائيل، وتطالبها باتخاذ الخطوات التي في مقابلها نتخذ نحن خطوات، ولكن لن تكون خطواتنا مجانية، وهذا ما حرصنا عليه طوال الفترة الماضية من 2002 إلى 2010 وحتى الآن. لكن هناك أمرا أريد التأكيد عليه، وهو أن المبادرة العربية هي أساس السياسة المصرية فيما يتعلق بالنزاع العربي الإسرائيلي، أما بخصوص علاقة مصر بإسرائيل، فهناك معاهدة سلام طالما احترمتها اسرائيل سوف تحترمها مصر، وإذا اقتضى الأمر إعادة النظر أو تعديل بعض الملاحق، الخاصة بالشق الأمني لتمكين مصر من إدارة الأمور الأمنية بكفاءة، سواء على مستوى الحدود أو سيناء، أعتقد أن هذا مشروع ويمكن العمل على تحقيقه، وسأعمل على طرح هذا الأمر بالوسائل القانونية والدبلوماسية، وسنبدأ بهذا وبسرعة. أثارت زيارة الوفد البرلماني الشعبي إلى السعودية امتعاض الجزائريين، لعدم إيلاء مصر نفس الأهمية للجزائر أثناء الأزمة الكروية الشهيرة. لو كنت رئيسا للجمهورية وقتها، ماذا كنت ستفعل لاحتواء الأزمة؟ نرجو ألا تحدث أزمة أخرى بين مصر وأي دولة عربية، لا السعودية ولا الجزائر، لأن أي أزمة تنقص منا جميعا. وأنا شخصيا لن أسمح أبدا بحدوث مثل هذه الأزمات إن وفقت وأصبحت رئيسا للجمهورية. وكرئيس دولة ومسؤول، كنت سأتصل بالرئيس بوتفليقة. هو رئيس عظيم وله تاريخ كبير جدا، وتربطنا علاقة صداقة قوية وتاريخ طويل منذ أن كان وزيرا للخارجية، وقد كنت في الأممالمتحدة، وأنا أعرف جيدا وطنية بوتفليقة وشعب الجزائر، وغير مقبول أن يكون هناك نزاع بين الجزائر ومصر.