تبث عدة قنوات عربية، منذ بداية شهر رمضان، مسلسل ''نابليون والمحروسة''، وهو من بين المسلسلات القليلة التي تشد الانتباه، إضافة إلى مسلسل ''عمر بن الخطاب'' و''فرقة ناجي عطا الله'' التي تضاربت الآراء حول مستواه، بين مدافع عن ''الزعيم'' وبين من يقول إنه يريد العودة إلى الجمهور راكبا موجة ''أنا بكره إسرائيل''، عقب موقفه المتخاذل من الثورة المصرية التي أطاحت بنظام ''آل مبارك'' الذي ارتبط به ارتباطا وطيدا. ويبقى مسلسل ''نابليون والمحروسة'' الذي أخرجه شوقي الماجري، بمثابة الاكتشاف الذي يدفع المشاهد إلى إعادة النظر في بعض المسلمات التي علقت بالأذهان، ونتجت عنها قراءات مغلوطة لتاريخ الحداثة وللعلاقة بين الذات والآخر. الشائع بخصوص علاقة نابليون بونابرت بالعرب، تلك الفكرة القائلة إنه هو من أوصل الحداثة إلى أرض الإسلام التي كانت تعاني من ويلات التخلف والتسلط المملوكي والعثماني. وتجلى دوره، وفق هذا الطرح، في كونه هو من قام بنقل المطبعة إلى مصر، التي انطلقت منها النهضة التي ارتبطت بدورها بالطباعة وبالمنشورات ورواج الفكر وتراجع الفكر التسلطي وبروز الدعوة الليبرالية المُحررة. لكن ما لا يقوله أصحاب هذا الطرح، ونلمسه في مسلسل ''نابليون والمحروسة''، هو أن بونابرت جاء إلى أرض المحروسة مستبدا وقاهرا، جاء غازيا بروحه العسكرية التي زرعت الرعب في أرجاء المحروسة. وإن أراد التيار الليبرالي الذي دعّم وروّج لهذه الفكرة على مدى سنوات طويلة، إظهار بونابرت في صورة ''حامل مشعل التحديث''، فإنهم قاموا بغض الطرف عن الوجه الدموي والعنيف من حملة الإمبراطور بونابرت. فالحملة البونابرتية ليست كلها حاملة لمظاهر الحداثة، وهي مثل كل الحملات الاستعمارية، حملت من العنف والدمار أكثر مما حملته من مظاهر التطور. وعليه، تم زرع الحداثة في مجتمعاتنا بشكل تعسفي وقهري، أدى إلى تدمير وتفكيك مظاهر المجتمع القديمة والمنظومات الثقافية التقليدية التي تمركزت حول ''الفكرة والتصور الديني''، بغرض إنتاج علاقات جديدة تساير الحداثة.