علّق الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه ''على طريق العودة إلى الإسلام'' يقول: ''فقد دلّ عموم الآية {يا أيُّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} النساء .58 وصريح ما تنطق به هذه الأحاديث الثابتة، على أنّ النّاس لا يسعهم وقد دخلوا في عقد البيعة، إلاّ السّمع والطّاعة للإمام في كلّ ما يأمر به، إذا لم يكن في ذلك مآثم عليهم، بقطع النّظر عن أن يكون في أمر الإمام لهم بذلك ما يجرّ عليه هو مأثمًا أم لا؟ وهذا ما يدل عليه صريح قوله عليه الصّلاة والسّلام: ''تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع''. فأمّا إذا أمرهم بمعصيته أو نهاهم عن شيء من الواجبات الشّرعية، فليس لهم إطاعته في ذلك، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه الشيخان: ''على المرء المسلم السّمع والطّاعة فيما أحبّ وكره إلاّ أن يأمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة''. غير أنّ أمره للنّاس بالمعاصي لا يسوغ خروجهم عليه. قال الإمام النووي، رحمه الله، في شرح مسلم: ''وأمّا الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السُّنّة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق. ثمّ قال: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه، ما يترتّب على ذلك من الفتنة وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه. فبالإمام يتوحّد المسلمون، ويحفظ الدّين على أصوله، وتُنفذ أحكام الشّريعة الإسلامية، ويعُمّ الأمن في كلّ الأقطار الإسلامية، وتحصن الحدود والثغور بالعدّة الكافية والقوّة المانعة، وبه تتكوّن الأجيال الصّاعدة تكوينًا يجعلهم قدوة خير ودعاة سلام إلى النّاس أجمعين. ودون وحدة الأمّة تحت راية واحدة وقيادة رشيدة، لَن تستطيع أن تحقّق أحلامها، ولَو سعَى لذلك كلّ قطر وكلّ شعب على انفراد وأنفق كلّ ما لديه من جهود. وحينئذ، تكون الأمّة صائمة حق الصّيام، تصوم عن كلّ نزاع وعن كلّ تفرقة، وكلّما غادرها رمضان، شهد لها عند ربّها وغادرها باكيًا حزنًا لفراقها.