أبدت قيادة الجيش مخاوف من ''أطماع أجنبية بالساحل الإفريقي، قد تجعل من المنطقة بؤرة توتر وتتسبب في تفاقم مشاكلها''. وتعكس هذه المخاوف بوضوح، الأوضاع التي آلت إليها ليبيا بسبب تقاطع مصالح قوى غربية وعربية، ثبت أن تدخلها عسكريا وماليا ودبلوماسيا لم يكن الهدف منه ''جلب الحرية والديمقراطية للشعب الليبي''. وجاء في افتتاحية مجلة ''الجيش'' الشهرية، لسان حال المؤسسة العسكرية، الصادرة في أوت الحالي، أن ''الأمن الداخلي للدولة يتمثل في قدرتها على حماية بنيتها الداخلية من التهديدات مهما كان مصدرها، لتتمكن بالتالي من الاستمرار في التنمية وتحقيق الأهداف المسطرة، والمحافظة على المصلحة العليا للدولة''. يقصد بذلك أن مشاريع التنمية التي أطلقتها الدولة في السنوات العشر الماضية، تصل إلى أهدافها إذا كانت الجبهة الداخلية معززة. أما الأمن الخارجي لأي دولة، فيتوقف حسب ''الجيش'' على تأمين محيطها ''وجعل دول الجوار في حالة سلم وتعاون وتكامل مع هذه الدولة وغير مهددة في أمنها الداخلي والخارجي، مما يضمن جوارا آمنا يحدث جوا من الاستقرار ويساعد على تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في التنمية والرفاهية''. ويأخذ هذا المقطع من الافتتاحية، شكل توصية إلى القيادة السياسية في البلاد، تدعوها إلى تكثيف تعاونها مع البلدان المجاورة التي تشهد اضطرابات أمنية وسياسية، وقاية لأمن الجزائر الخارجي. وتضيف ''الجيش''، عاكسة انشغال المؤسسة العسكرية بما يحيط بالبلاد من مخاطر ''من هذا المنطلق جاء التركيز بشكل وثيق على الاهتمام بالجوار لتحقيق الأمن الوطني (...) ومتابعة ما يحدث في الدول المجاورة على الصعيد الأمني ومساعدتها على استتباب الأمن والاستقرار بها، فأمن الدولة من أمن الجوار''. وينطبق هذا الجزء من رأي ''الجيش'' حول الوضع الإقليمي، على ما يجري في مالي تحديدا. ويعني بأن الحيلولة دون مزيد من تدهور الأوضاع في الشمال الحدودي مع الجزائر، هو حماية للجزائر نفسها. ويعاب على السلطات أنها وقفت في عز العواصف التي هبّت على المنطقة عام 2011، متفرجة على رهانات خطيرة جرت عند حدود البلاد، مفضلة الاختفاء تحت مظلة ''عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير''. وأهم تلك الرهانات كانت في ليبيا وحاليا في مالي، وبدرجة أقل في تونس. وتقول ''الجيش'' في موضع آخر، إن مفهوم أمن الدولة ''تطور ليشمل تأمين المجال الحيوي للدولة، الذي يحدد وفقا للمصالح والإمكانيات. ويتم تأمين هذا المجال الحيوي في شكله الواسع أو التوسعي، من خلال إستراتيجيات للسيطرة والنفوذ والسيادة والحروب، بعيدا كل البعد عن الجوار الجغرافي للدولة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الجوار الإستراتيجي''. معنى ذلك أن القوى المهتمة بأوضاع المنطقة التي تنتمي إليها الجزائر، تلقي بثقلها في الأزمات التي تعيشها وتفرض رؤيتها للحل، بهدف تأمين محيطها وأمنها الداخلي والخارجي. ويحمل رأي المؤسسة العسكرية، المكتوب في مجلتها، إسقاطا على ما جرى في ليبيا، ويبدي خوفا من تكراره في مالي. وتابعت ''الجيش'' بخصوص تطورات الوضع بالمنطقة ''إن الأحداث التي يشهدها الساحل الإفريقي بشكل متسارع، تفرض على الجزائر الاهتمام بشكل فعال باستتباب السلم والأمن في هذه المنطقة''، التي تمثل -حسب النشرية العسكرية- المجال الحيوي لبلادنا. وتدعو إلى التعاون مع البلدان التي تعيش اضطرابات ''حتى لا يتحول الجوار الجغرافي للجزائر إلى جوار إستراتيجي لأطماع أجنبية، قد تجعل من المنطقة بؤرة توتر قد تتفاقم مشاكلها ويصعب حلّها''.