بعد تحصنها في قوقعتها عقب ما عرف بأحداث الربيع العربي، حيث استعملت الحكومة سياسة ''الجزرة'' في تعاطيها مع المطالب الاجتماعية، عادت السلطة التنفيذية، في نسختها القديمة الجديدة برئاسة الوزير الأول عبد المالك سلال، للتكشير عن أنيابها في مسعى لاسترجاع هيبة الدولة وبسط سلطان القانون، حتى وإن كان أول الضحايا لسياسة ''العصا'' الفئات الهشة من تجار الأرصفة والباعة المتجولين. عند تسلمه مهامه الجديدة على رأس الجهاز التنفيذي من سابقه أحمد أويحيى، قال عبد المالك سلال إن حكومته عنوانها ''الاستمرارية'' في تنفيذ برنامج الرئيس. وتجسدت هذه الاستمرارية حتى قبل عرض مخطط عمل الحكومة الجديدة أمام البرلمان، في عودتها لتنفيذ القرارات التي توقف تنفيذها تحت ضغط الشارع، عقب ما عرف بأحداث ''الزيت والسكر'' في 5 جانفي ,2011 والتي تمثلت يومها في مشروع لوزارة الداخلية يقضي بإزالة الأسواق الفوضوية وحظائر السيارات العشوائية، وكذا في فرض ''الصك البنكي'' في كل التعاملات التجارية التي تفوق 50 مليون سنتيم، مثلما دعت إليه يومها وزارة التجارة. وبعودة الحكومة، اليوم، إلى تنفيذ هذه الإجراءات عبر مختلف ولايات الوطن، من خلال منع الأسواق الموازية وتطهير المحيط من النفايات عن طريق استعمال القوة العمومية في أغلب الأحيان، تكون الرسالة المرسلة من خلالها، أن سحابة الربيع العربي قد غادرت سماء الجزائر والنظام أعاد تثبيت ركائزه وهو بعيد المنال عن رياح ''التغيير''. وتكون هذه القناعة لدى السلطات العمومية وراء، ليس فقط ما قاله وزير البيئة، عمارة بن يونس، من أن ''الحكومة ستفاجئ الجزائريين''، بل في إقدامها على تفكيك شبكات الأسواق الفوضوية التي مضى عليها أكثر من 20 سنة، باستعمال الآليات الثقيلة ''البيلدوزر'' لإزالتها، دون إعطاء أي حساب لردة الفعل التي قد تتولد عنها. أكثر من ذلك، قررت الحكومة هدم هذه الأسواق دون أن تسبقها بتحضير أسواق بديلة، ما زاد من حجم العاطلين عن العمل من الذين كانوا يسترزقون من هذه السوق السوداء. قد تكون حالة السبات في أداء الجهاز التنفيذي التي استمرت لقرابة 8 أشهر بسبب إجراء الانتخابات التشريعية وتعطل تغيير الحكومة لخلافات داخل منظومة الحكم، قد جعلت حكومة سلال، القديمة الجديدة، مجبرة على تسجيل دخول ''قوي'' إلى حلبة المواجهة مع الشارع وعدم الرضوخ للحركات الاحتجاجية، خصوصا بعدما أعلنت عدة تنظيمات نقابية في الوظيف العمومي عن شنها إضرابات مع الدخول الاجتماعي الحالي. وتكون هذه الثقة التي اكتسبتها الحكومة قبل حتى الحصول على تزكيتها من البرلمان الجديد، قد تولدت عن نجاحها في تسويق الإصلاحات السياسية وحصولها على شهادة من الاتحاد الأوروبي عن حسن مجريات التشريعيات الأخيرة، حتى وإن كان أهم ملف للإصلاح والمتعلق بتعديل الدستور لا يزال داخل ''الثلاجة'' ولم يفرج عنه رئيس الجمهورية لحسابات متعلقة بما سيؤول إليه ''الربيع العربي'' من نهايات، خصوصا بعدما بدأت دول الغرب تبدي قلقها من احتمال تحول هذه الربيع إلى ''خريف سلفي متطرف'' كما قال وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس. وفي ظل البحبوحة المالية التي تتوفر عليها خزينة الدولة، خاصة بعدما تجاوز برميل النفط حدود 117 دولار للبرميل، فإن حكومة عبد المالك سلال لن تكون لها فترة ال100 يوم ''هدنة'' قبل بداية محاسبتها على النتائج، وسيكون نفاد صبر البطالين القدماء والملتحقين الجدد بعد إزالة الأسواق الفوضوية، الشرارة التي تقضي على ما تبقى من مصداقية في وعود حكومات رحلت ولم تف بها، وهو أحد أسباب ضياع هبة الدولة التي يراد استرجاعها اليوم بعمليات تزيين ''ماكياج'' للمحيط عوض قرارات تشاركية جادة مع المواطنين ومخططات حقيقية للتشغيل والسكن والصحة وغيرها.