يرجع البروفيسور فريد حدوم، رئيس مصلحة أمراض الكلى بمستشفى نفيسة حمود (بارني سابقا) ورئيس الجمعية الجزائرية لطب الكلى، العزوف عن التبرّع بالأعضاء في بلادنا إلى عوامل اجتماعية وثقافية، داعيا إلى تشجيع هذه العملية، على غرار ما هو معمول به في الدول المتقدمة. في هذا السياق، يسجل حدوم أن عدد عمليات نزع أعضاء أشخاص متوفين منعدم، بسبب رفض أقاربهم المساس بالجثمان، بل ويسارعون إلى إخراجه من المستشفى بعد معاينة الوفاة مباشرة، مؤكدا بأن ''الجزائريين لا يثقون في الجهاز الطبي، ويشككون في عمل الطبيب، بل يحمّلونه سبب الوفاة في أحيان كثيرة''. ويقول حدوم لدى نزوله ضيفا على ''الخبر'': ''إذا أردنا تطوير زرع الأعضاء انطلاقا من أشخاص متوفين، علينا أولا بإطلاق حملة وسط المجتمع لنشر ثقافة تدعم ترسيخها في المجتمع''. ويعتبر حدوم أنه يمكن الاستفادة من أعضاء حوالي 10 بالمائة من الأشخاص المتوفين في حوادث المرور، وتمكين المرضى الذي يزداد عددهم من الاستفادة منها. ودعا المتحدث إلى الاقتداء بإسبانيا التي كانت تحتل المرتبة الأخيرة في أوروبا في مجال زرع الأعضاء، وأصبحت حاليا تحتل المرتبة الأولى، بفضل العمل التحسيسي للأطباء النفسانيين تجاه العائلات التي فقدت أحد أفرادها. وأضاف أن إشكالية التبرّع بالأعضاء في الجزائر ينبغي أن تندرج في سياق عام لقطاع الصحة، حيث ''ينبغي رفع مستوى الخدمات الممنوحة الذي سيؤثر إيجابيا على التبرّع بالأعضاء''. وفي هذا السياق، أكد علماء في الدين أنه يتعيّن على العلماء والمختصين المسلمين ''الاجتهاد'' من أجل ''حلّ المشاكل التي يعرفها مجتمعهم''، مشيرين إلى أن ''الإسلام لا يشكل عائقا للعلم، إن كان يخدم المصلحة العامة للمجتمع''. ولتطوير هذه العملية، يؤكد حدوم على وضع نظام إعلامي وسجلات وطنية، تخص المتبرّعين والمتلقين لهذه الأعضاء ومتابعة وتقييم العملية. ويرتبط ذلك، حسب حدوم، بضرورة تشجيع البحث العلمي في مجال زرع الأعضاء والأنسجة والخلايا التي توصف بأنها ''العلاج المتطوّر الذي يعكس مستوى الطب في أي بلد''، وضرورة سير الجزائر في هذا المجال لأن ''الأمل في الحياة لسكانها سيرتفع أكثر''. وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ حدوم أن التبرّع بالأعضاء يعتبر علاجا ناجعا، ويشكل الفرصة الوحيدة في البقاء على قيد الحياة لعدد كبير من المرضى، على اختلاف أعمارهم. 003 مليون أورو.. والحصيلة مزيد من المعاناة وكشف البروفيسور حدوم أن الجزائر رصدت غلافا ماليا قدره 300 مليون أورو، من أجل التكفل بعلاج مرضى القصور الكلوي بواسطة تصفية الدم (الدياليز)، مقدّرا بأن الرقم باهظ جدا، بالنظر إلى النتائج المتحصل عليها. ويؤكد حدوم أن تصفية الدم لوحده لا يكفي، لأن المشكل أنه علاج لا ينهي المرض، وإنما يخفف منه إلى غاية وفاة المريض، بسبب المضاعفات التي تكون قاتلة، مشيرا إلى أن أخطرها مرض القلب وارتفاع الضغط الشرياني والسكري وهي، كما قال، أمراض تتحوّل، مع مرور الزمن، إلى وباء. وحسب البروفيسور حدوم والبروفيسور بيتزان، ولتفادي هذه التهديدات التي سقطت فيها دول متقدمة عديدة من قبل، أهمها أمريكا التي واجهت وباء العجز الكلوي قبل ثلاثين سنة بسبب اعتمادها على مراكز التصفية فقط، فإن الحلّ يكمن في إطلاق حملة للتعبئة والتوعية بضرورة الذهاب إلى زراعة الأعضاء، ليس في مجال الكلى فقط، وإنما حتى أعضاء أخرى. وحذّر حدوم من أن السلطات العمومية تنفق المليارات على طرق علاج غير ناجعة، جعلت المريض ''زبونا'' لأصحاب مراكز غسيل الكلى الخواص، الذين يلتهمون أموال صندوق الضمان الاجتماعي.