دخلت الأحزاب السياسية، وهي ''خجولة''، معترك مغازلة ب''حياء'' للمواطنين للتصويت على ممثليها ''مشاريع أميار''، يوم 29 نوفمبر، وفي مخيلتها، صخرة اسمها ''الكتلة الصامتة'' لم تجتهد في البحث عن دواء يذيب صمودها في وجه صندوق الانتخاب، منذ زمن طويل. ''الكتلة الصامتة''، مصطلح صار يؤرق الأحزاب التي تخيب في كل مرة، في المواعيد الانتخابية، وهذه الكتلة كثيرا ما اتهمت بأنها ''سبب الخيبة في الانتخابات'' لأن المتعودين على الانتخاب، هم أولئك الذين ينتخبون الأحزاب الأولى في سلم الطبقة السياسية، وهم في الأصل تابعون لها بالأقدمية، أما المنتمون للصامتين، فلا لون لهم، رغم أنهم ''معارضون'' لكنهم معارضون من نوع خاص، قد يكونون ''الناقمون على الوضع''، حتى وإن اتهموا بأنهم ''خدام'' للوضع القائم، إلى إشعار أخر..كونهم يمثلون أثقل حجرة في الميزان وبهم -لو انتخبوا- يتحقق التغيير، لكن من يقنعهم بالعدول عن مواقف وصفها البعض بالسلبية، وتعتبر لدى البعض الآخر ''رسالة وإن لم تصل بعد'' وآخرون ينعتون الكتلة الصامتة ب''المتخاذلة''؟.. إلى الآن، لا أحد استطاع تحديد هوية ''الكتلة الصامتة'' أو المقاطعة للانتخابات، رغم أنها، تقريبا، نفس مكوناتها البشرية، تقاطع كل مرة الاستحقاقات الانتخابية، تماما كما لم تجتهد الأحزاب الناقمة من ''اللاانتخاب'' من أجل فك شيفرة ''مقاطعة الصامتين'' ومعرفة هوية هذه الكتلة، ومن يكون ممثلوها ولماذا اختارت التخندق في الزاوية المتطرفة سياسيا، حتى تصف العلاج الملائم الذي يمكنها من الخروج من بيتها يوم الانتخاب سالمة لتعود من الصندوق مطمئنة. رغم ذلك، خضع الصامتون لتجاذبات أطراف كثيرة، كل يدّعي تفسيرا لوجود هذه الفئة في كتلته الناخبة، وصنفوا لدى أطراف أخرى ضمن خانة ''الصامتين منذ ''1990 أول انتخابات محلية تعددية، فاز بها ''الفيس''، وشكل فيها المقاطعون نسبة 41 بالمائة، وتراوحت نسبتهم بعد ذلك صعودا ونزولا ثم صعودا إلى غاية تشريعيات ماي 2012 لما وصل صمتهم حيال ''الربيع الجزائري'' إلى 57 بالمائة. وفي ظرف 21 سنة ''حافظ'' مقاطعو الانتخابات على نسب متقاربة في إدارة الظهر لصناديق الاقتراع، وكانوا بداية تسعينيات القرن الماضي مؤشرا على موقف معين من الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، وحينها لم ينتبه الجزائريون إلى نوعية مقاطعة مثل هذه لاعتبارات لم تظهر إلا بعد سنوات وعبر عنها مراقبون بالقول: كانت المقاطعة رسالة مواطنة ضد الذين عبثوا باستقرار البلاد. وست سنوات بعد ذلك أعاد ''الهاربون'' من صناديق الاقتراع توظيف نفس الورقة في انتخابات ,1997 التي قيل إنها زورت، وتراجعت نسبتهم إلى 35 بالمائة، وارتفعت نسبة المقاطعين إلى 54 بالمائة في 2002، ولم يقل دعاة تفسير غياب جزء هام من الكتلة الانتخابية، أن المقاطعين ''متخاذلون''، واسترسل البعض ممن خابوا هذه المرة كذلك في شروح تلتقي كلها عند ''فهمه'' الخاص وكيفية إلصاق المقاطعين بحزبه من حيث أنهم ''متعاطفون'' معه بطريق غير مباشر.. وإذا كان تفسير مقاطعة 41 بالمائة من الكتلة الناخبة زمن ''الفيس'' المحل قد يجد ما يبرره سياسيا لدى المحافظين والعلمانيين ، إلا أن التواريخ اللاحقة في الانتخابات التشريعية لا تجد لنفسها صورة ثابتة، أو عزف على وتر واحد، له مكانة في ''ديكليك'' السياسة والانتخابات في بلاد عاقب فيها المقاطعون الإسلاميين مرتين: الأولى مطلع التسعينيات عندما اكتسح ''الفيس'' المحليات، والثانية قبل ستة أشهر عندما قال المقاطعون: ''لا نريدكم'' بنسبة 57 بالمائة! واحتفظوا بأصواتهم للذين قد يأتون يوما ما. وكما قاطع ''الصامتون'' الإسلاميين مرتين، قاطعوا ''الأرندي'' و''الافالان'' ثلاث مرات، في الأولى كانت النسبة أخفض بكثير (35 بالمائة) 1997 وفي الثانية سنة 2002 ارتفعت إلى 54 بالمائة، وسجلت رقما قياسيا في 2007 عندما وصل المقاطعون إلى سقف 65 بالمائة. مثلما عبروا بشكل غير مباشر عن عدم رضاهم على أسماء تتكرر في الانتخابات البرلمانية كما المحلية، في العشريتين الماضيتين، عندما تكرس مفهوم ''اللي تعرفو خير من اللي ما تعرفوش''..