منذ أعوام.. وبالضبط بعد نجاح الفيس في الانتخابات التعددية الملغاة، كتبت إليك قائلا: عظم الله أجركم. فكان ردكم: الحمد لله، اليوم وجدنا من يعزينا في هذا المصاب الجلل.. أما أنتم، فسوف يأتي اليوم الذي لن تجدوا فيه من يعزيكم أو يسير في جنازتكم.! اليوم، أقول لك سيدي عملاق الصحافة المكتوبة.. فعلا، وقع ما توقعته منذ 22 سنة.. تحيّاتي سيدي.. ولازلت وفيا لكتاباتك. رشيد بوزة الجزائر. ؟ لا، يا أخي رشيد.. مع الأسف، وقع أسوأ ما توقعت.. لم أكن أتوقع أبدا أن يتموقع الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير، خلف واجهة سياسية مشبوهة، ويتموقع شيوخ الدم خلف الإسلام الحنيف، ويلحقا بالبلاد هذه الكارثة التي أدت إلى قتل 200 ألف مواطن، وحرق 25 مليار دولار.. أي قتل شعب بحجم دولة خليجية وحرق جزائر بحجم جزائر 1962 ماديا. نعم، أنا عارضت المواجهة بين الجزائريين، بسبب السياسة المسوّسة.. ودفعت الثمن بالإبعاد ظلما، بسبب هذا الموقف الإعلامي البحت من على رأس جريدة المساء، أكبر جرائد الدولة في ذلك الوقت، ثم سجنت لاحقا مرتين، كان إحداهما عندما عارضت التخلاط السياسي داخل الأحزاب، فيما سمي بالمؤامرة العلمية ضد الأفالان المهرّبة وزج بي في السركاجي.. وتشاء الصدف أن يغلق عليّ في زنزانة قريبة من زنزانة المرحوم حشاني.. وأبلغ المرحوم من طرف الحراس أن ''إعلاميا مهما'' زج به في السجن، فقال لهم ما اسمه.. وعندما عرف الاسم، قال لهم اهتموا به، فهذا الصحفي مخلص، كنا في رمضان، فبعث لي بحبة ياغورت وثلاث تمرات وكتاب للمفكر السوداني الترابي، عنوانه على ما أذكر ''الإسلام ونظم الحكم''.. أو ''الإسلام والسلطة''.. لا أتذكر بالضبط. وقال للحارس: قل له يخفي هذا الكتاب تحت المطرح عندما يرى من لا يرتاح له.. وتعجبت لهذا الرجل، كيف استطاع أن يهيكل حتى الحراس داخل السجن بهذه الطريقة.. وأظن أن هذا الحارس مايزال حيّا وهو من المدية، ويمكن أن يذكر تفاصيل أخرى عرفها هو ولم ينقلها لي.. بعد يوم، حضر إلى السجن المحامي بوشاشي لمباشرة إجراءات الإفراج عني، بعد الضجة الإعلامية التي أثارتها عملية السجن هذه، وفي قاعة المحامين، قابلت المرحوم حشاني صدفة، فسلمنا على بعض بالعناق، ولم تكن لي به سابق معرفة.. ولكن الحراس منعونا من الحديث، فاكتفينا بالتحية.. التي تمت بحضور المحامين، وقد كتبت بعض الصحف عن القضية في وقتها. لا يا أخي رشيد، أنا لست عملاقا.. ومازلت أتعلم المهنة مع زملائي الشباب، في هذه القلعة الإعلامية التي أسسها ويديرها الشباب الذين ولدوا عندما بدأت أنا هذه المهنة قبل 43 سنة. أنا لم ينزل عليّ الوحي بخصوص ما كتبته وأكتبه.. بل تعلمت الوطنية من منابعها الأصلية.. قبل أن تلوث.. تعلمت السياسة من مثلي الأعلى مهري، رحمه الله، وتعلمت منطق الدولة من المرحوم بومدين، مثلي الأعلى في كيفية بناء الدولة، وتعلمت الإسلام الصافي من المرحوم مالك بن نبي.. ومثلي الأعلى في الثورية هو المرحوم مصطفى بن بوالعيد. نعم، أنا الآن تعيس، لأنني أعيش الوقت الذي أصبحت فيه الجبهة، محررة البلاد، تقول إنها تنتصر وهي تنكسر.. تماما مثلما هي الجزائر الرسمية، تعلن أنها تنتصر وهي تنكسر ألف مرة في اليوم. أتمنى أن لا أعيش وأرى الجزائر في صورة العراق، أو في صورة سوريا الآن، أو حتى في صورة ليبيا قبل سنتين.. خاصة أن البلاد تسير بسرعة الضوء نحو هذا المصير القاتم.