يعتبر كتاب ألبير بول لونتان الصادر بعنوان ''الربع ساعة الأخير..الجزائر بين عالمين''، بمثابة نظرة واقعية وموضوعية عن عملية انتقال الجزائر من المرحلة الاستعمارية، إلى مرحلة الاستقلال. وتكمن أهمية الكتاب في كونه يعدّ شهادة حية من لدن مؤلف ربطته علاقات صداقة بعدد من الفاعلين التاريخيين الجزائريين، منهم سعد دحلب، كما أنه أحد الذين لم يتفاجأوا بقيام الثورة، بعد أن أدرك مبكرا حتمية زوال النظام الكولونيالي. يعدّ كتاب بول لونتان بمثابة قراءة مغايرة ومختلفة للمرحلة الاستعمارية في الجزائر، وتكمن هذه الأهمية في انتماء المؤلف لعائلة كانت تربطها روابط صداقة مع جمعية العلماء المسلمين، فتعلم أفرادها اللغة العربية وتخلصوا من الأفكار العنصرية التي تميز بها غالبية الأقدام السوداء. وعليه، أدرك لونتان أهمية دور العلماء المسلمين الجزائريين في إعادة بناء الأمة الجزائرية وبعثها من جديد. وجاء في المقدمة التي كتبها الباحث صادق سلّام، بمناسبة صدور الطبعة الجزائرية للكتاب عن منشورات ''عالم الأفكار''، أن لونتان قدم عدة مساعدات لقادة الثورة، ولعب دورا فاعلا في هذا الاتجاه إلى جانب الصحفي جان دانيال. كما تحدث سلّام عن التكوين الفكري للمؤلف، بدءا من إتقانه اللغة العربية، واختياره للفكر المناهض للاستعمار وميله لتفهم الجزائريين. وأرجع سلّام تأثر لونتان بالفكر المعادي للوضعية الاستعمارية لمرحلة أحداث 8 ماي 1945، وما نتج عنها من قمع وعملية إبادة، ما أدى به إلى عدم الثقة في إصلاحات 1947، التي اعتبرها بمثابة إصلاحات لا تعبّر عن طموحات الجزائريين. وشارك لونان، حسب سلّام، في فضح الحملة التي شنتها الشرطة الفرنسية ضد مناضلي المنظمة الخاصة (لوس) سنة 1950، بعد توصلها إلى اكتشاف أمرها، وكان حينها صحفيا ملتزما، فكتب عن ما أسماه ''الغيستابو الفرنسية بالجزائر''. وأضاف في ذات المقدمة أن لونتان كان يؤمن بأن الوطنية الجزائرية، مرتبطة بالعروبة التي تمكن الجزائر من تأكيد شخصيتها في مواجهة النظام الاستعماري. وأرجع الصادق سلّام إدراك لونتان لهذه المسألة، لارتباطه هو ووالده بجمعية العلماء المسلمين خلال السنوات التي قضاها بقسنطينة مسقط رأسه، فقال عن الشيخ ابن باديس إنه ''أكثر الشخصيات السياسية الجزائرية ثورية''، واعتبره بمثابة رجل المستقبل الذي كان يسعى لبعث القيم الجزائرية التي داس عليها الاستعمار منذ سنة .1830 ويجد قارئ الكتاب تصويرا دقيقا وموضوعيا حول الربع ساعة الأخيرة الذي شهد موت ''الجزائر الفرنسية''، وميلاد الجزائر الجزائرية، عبر شهادة موضوعية ينقلنا لونتان، من خلالها، إلى قلب الحدث، مع نقله لأوضاع ما قبل ''الربع ساعة الأخيرة''، بالعودة إلى مختلف الأحداث السياسية التي أدت إلى انتهاء النظام الاستعماري سواء أكان من الجانب الفرنسي أو الجزائري. وتكمن أهمية الكتاب في تلك الصفحات الكثيرة التي يحلل فيها المؤلف عقلية ''الأقدام السوداء'' وسلوكياتهم القائمة على العنصرية والعجرفة''، ويقدم هذه الصورة بكل موضوعية دون أي لفّ ولا دوران.