استغربتُ القيامة التي قامت لدى الطرف الفرنسي من مجرد التفكير في سن قانون جزائري "يُجرم الاستعمار''. حدث هذا بينما كثير من المثقفين والمؤرخين الفرنسيين أنفسهم سبق لهم وأن أعلنوا، وقالوا بلا لف ولا دوران، إن الاستعمار فعل إجرامي، فألفوا كتبا في الموضوع، واتخذوا مواقف ناهضت فكرة التمجيد التي تحولت إلى قانون 32 فيفري. ويوجد في الثقافة الفرنسية نفسها، ما يجعل الفكرة التي طرحها الجزائريون في المدة الأخيرة، أمرا قائما، مما يزيح عنها فكرة المناورة السياسية للتطفل على العلاقات الجزائرية الفرنسية. ومن بين الكتاب والمؤرخين الفرنسيين الذين تحدثوا عن الاستعمار الفرنسي من زاوية الإجرام والإبادة والجريمة ضد الإنسانية، نذكر كتاب المؤرخ بيار فيدال ناكي ''جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر''، بين 5491 و 2691 . ويكشف الكتاب، كيف أن الجريمة الاستعمارية ضد الشعب الجزائري، خضعت لمنطق مؤسساتي، بمعنى أنها لم تكن بمثابة فعل فردي منعزل. وهي الفكرة التي نلمسها من قراءة مذكرات الجنرال أوساريس، الذي كان يتلقى أوامر واضحة وصارمة لارتكاب الجرائم من قيادات عسكرية عليا فرنسية، وبعلم ومباركة من السياسيين منهم وزير العدل الفرنسي آنذاك فرانسوا متيران. ولما نشر الكتاب سنة 5791 قدمه الناشر الفرنسي كوثيقة ضد النسيان، كونه يحتوي على شهادات جنود فرنسيين قتلوا جزائريين بطرق وحشية. وهناك كتاب ''شرف سانت أرنو''، لفرانسوا ماسبيروا، الذي تناول جوانب من جرائم العقيد سانت أرنوا الذي أخضع الجزائريين للحديد والنار، وشارك في عدد من المجازر التي استهدفت قبائل بكاملها، ودوّن ذلك في الرسائل التي كان يبعث بها لأفراد عائلته، وكان يعتبر تقتيل الجزائريين بمثابة فعل حضاري'' بإمكانه أن يغرس بذور التقدم على الأرض الجزائرية التي تحولت إلى ''جنة رومانية'' وقد استعادت ''رومنتها''، ومسيحيتها. ظهر هذا الكتاب سنة 7991 ، لكن وسائل الإعلام الفرنسية أخضعته لعملية تعتيم رهيبة، ولم تتطرق إليه نظرا لخطورة الموضوع الذي تناوله ماسبيروا المنبوذ من قبل الأوساط الثقافية الفرنسية الفاعلة. وفي العام 5002 نشر أوليفييه لوكور غراند ميزون كتابا أكثر فضحا للممارسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر بعنوان ''الاستعمار..الإبادة''، تناول فيه جرائم الدولة الفرنسية في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية. وتكمن أهمية الكتاب، في تشريحه للإيديولوجية التي استعملت لغزو الجزائر، وكيف تم تبرير الجرائم الاستعمارية وفق هذه الأيديولوجية العنصرية التي تعتبر الإنسان الجزائري بمثابة ''إنسان طفيلي'' قابل للإبادة. ونشر الكتاب عقب صدور قانون 32 فيفري المُمجد للاستعمار. وكان بمثابة صفعة قوية في وجه أصحاب الأطروحات العنصرية للوبي الأقدام السوداء، الذي يعرف فاعلية وحركية قوية في الأوساط السياسية الفرنسية خلال السنوات الأخيرة. واستعاد الكتاب الذي لقي رواجا كبيرا، مختلف الجرائم الاستعمارية التي ارتكبها الجيش الفرنسي منذ 2381، بالتركيز على إبادة قبائل بكاملها في الغرب الجزائري. وكشف لوكور غراند ميزون في كتابه أن الدولة الاستعمارية كانت عبارة عن دولة إجرامية بشكل دائم. وهو ما يحيلنا إلى كتاب ''بيار بيون''، الصادر بعنوان بسط النفوذ على الجزائر''، ويروي تعطش جنرالات الحملة الاستعمارية لكنوز الجزائر، والسعي للحصول عليها بطرق غير شريفة. وهناك إحالة أخرى لكتاب ''تاريخ الجزائر الحديث'' لشارل روبير أجيرون الذي كان السباق لفضح الممارسات الإجرامية للجندي الفرنسي منذ بدء الاحتلال. وعقب تصريحات المجاهدة لويزات إيغيل أحريز بشأن تعرضه للتعذيب على يد مضليي الجنرال ماسو، نشرت الصحفية الفرنسية فلورانس بوجي كتابها حول معركة الجزائر، وتناولت مسألة لجوء الجيش الفرنسي لوسائل غير إنسانية للقضاء على معركة الجزائر. يوجد حاليا في فرنسا تيار سبق له وأن تطرق لفكرة ''تجريم الاستعمار''، وهذا التيار ليس وليد حسابات سياسية. ظهر في خضم الصراع بين اليمين واليسار في فرنسا، بحكم أن الجرائم الاستعمارية ضد الجزائريين اقترفها اليسار وليس اليمين، لكنه جاء للتعبير عن رغبة فرنسية في تجنب النسيان، وتقديم قراءة جديدة ''لحرب الجزائر'' ، من منظور يتحاشى النسيان ويسعى لتقديم الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي. وهذا ما يسقط فكرة التحامل الجزائري على الطرف الفرنسي.