فقدت الجزائر، في غضون سنة 2012، ثلاث قامات سياسية وثورية، رئيسان ومناضل كبير، فغيّب الموت قيادي الثورة والمناضل عبد الحميد مهري، كما ودّع الجزائريين أباهم، الرئيس الأول للدولة الجزائرية أحمد بن بلة، وتبعه إلى الدار الأخرى الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد الذي رقد إلى جانبه بمربع الشهداء في مقبرة العالية. دشّن الجزائريون سنة 2012، بحزن، لما تداول خبر رحيل ''أب السياسة'' والمفكر الذي غزا بعد التنظير العربي والقومي على نطاق واسع، عبد الحميد مهري، يوم 30 جانفي 2012، وعمره 85 سنة كاملة، قضى أغلبها مدافعا عن القضية الجزائرية، مقاوما للاستعمار الفرنسي، ثم مناضلا سياسيا أفالانيا كبيرا في الجزائر المستقلة. وقد خلف رحيله آثارا بالغة لدى من عرفوه وحتى لدى من لم يعرفوه، من جيل رثى سي عبد الحميد، بلغة ''خسارة'' رجل كبير كبر الجزائر، ولو لم يحظ بمكان ضمن مربع الشهداء بمقبرة العالية حيث يرقد رؤساء اختلف معهم في توجهات الدولة الجزائرية بعد الاستقلال وخاض معركة التغيير السلمي، إلى أن رحل وشيّع في مقبرة سيدي يحي بالعاصمة. لم ينبت الحشيش على قبر سي عبد الحميد، حتى استدعي الجزائريون لنبأ آخر تم تداوله، أن البلد فقد رئيسه الأول، أحمد بن بلة يوم أربعاء 11 أفريل، عن عمر ناهز 96 سنة، وهو أكبر رؤساء الجزائر سنا وأولهم، لكنه أقلهم مكوثا في الحكم بعد الراحل محمد بوضياف، وحكم البلاد من 62 إلى 65، قبل أن يزيحه انقلاب 19 جوان، ليعوّضه الراحل هواري بومدين. واستقطب رحيل بن بلة اهتماما كبيرا، محليا وعربيا وحتى غربيا، نظرا للمكانة التاريخية التي كان يحظى بها، خاصة على المستوى الإفريقي، حيث كان عضوا في لجنة الحكماء، بينما استقطبت جنازته أيضا وفودا أجنبية عزّت الحكومة والشعب في رحيل رئيسهم الأول الذي شيع بمقبرة العالية بالقرب من الرئيس هواري بومدين والرئيس محمد بوضياف الذي اغتيل يوم 29 جوان 92 بعنابة. حضر الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، جنازة بن بلة، وهو مريض، وخمسة أشهر بعد ذلك، التحق به في مربع الشهداء. وقد استجمعت كل أوجه الشبه بين الجنازتين من حيث المشيّعين والظروف التي أحاطت بفترة الوفاة. وقد توفي الشاذلي بن جديد عن عمر ناهز ال83 سنة، يوم الثامن من أكتوبر الماضي، حتى قيل إنه رحل في الشهر الذي عرف أحداث الشغب سنة 1988، والتي كانت من بين الأسباب التي عجلت برحيله من أعلى هرم السلطة، يوم 11 جانفي .1990 لكن ورغم ذلك، تحسب للشاذلي إنجازات سياسية. وبرحيل رئيسين ومناضل سياسي كبير، سيظل الجزائريون يذكرون سنة 2012، بن بلة والشاذلي ومهري، كرموز لم تزد وفاتهم إلا نقشا على حجر ''الجزائر المستقلة''.