لم يعد السلاح في الجزائر حكرا على المصالح الأمنية أو المسؤولين وأصحاب النفوذ، بل بات متوفرا بجميع أنواعه وحسب الطلب لمن يدفع أكثر، ليكون في متناول العصابات الإجرامية حتى تعبث بأمن الجزائريين، حيث ارتفعت نسبة تجارة الأسلحة في الجزائر بنسبة 39, 31 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية. إذا كانت الأسلحة البيضاء، بمختلف أنواعها، هاجسا للجزائريين في السنوات الماضية، على اعتبار أن العصابات الإجرامية كانت تعتمد عليها في تنفيذ اعتداءاتها في الغالب، لم يعد الأمر كذلك في المدة الأخيرة، بعد أن دخلت تجارة الأسلحة على الخط بمختلف أنواعها لتكون بين أيدي المجرمين، من بنادق صيد، مسدّسات آلية، ذخيرة حيّة وحتى أسلحة حربية، على غرار الكلاشنيكوف. وعالجت المصالح الأمنية، في الفترة الأخيرة، الكثير من القضايا المتعلقة بتجارة الأسلحة بطريقة غير قانونية، آخرها وقعت تفاصيلها في حديقة التسلية ببن عكنون في قلب العاصمة، الفضاء الذي يفترض أن يوفر الأمن للعائلات التي تقصده للتسلية، غير أن عصابات المتاجرة بالأسلحة اتخذت منه وكرا لعقد صفقاتها وإخفاء أسلحتها المحظورة. وحجزت مصالح الدرك الوطني في العملية 18 بندقية من مختلف الأنواع، و500 ,22 رصاصة من مختلف العيارات خاصة بالبندقيات كانت بحوزة المتهم الرئيسي، وهو صاحب محل للرماية. والغريب في القضية أن من يزوّد هذا الأخير بالذخيرة الحيّة أكد أنه باعها بحسن نيّة، لأنها متداولة بشكل عادي حتى بين الأطفال في مسقط رأسه ببئر العاتر. المتفجرات حاضرة أيضا وتعكس تحقيقات وأرقام المصالح الأمنية خطورة الوضع وزيادة الطلب على السلاح لدى الجزائريين، إذ ارتفعت نسبة تجارة الأسلحة ب39, 31 بالمائة، كما تغيّرت أنواع الأسلحة التي تهرّب إلى الجزائر عبر الحدود الجنوبية والشرقية تحديدا. وتشير آخر حصيلة للدرك الوطني إلى معالجة 699 قضية في النصف الأول من سنة 2012، فيما تمت معالجة 532 حالة في نفس الفترة من السنة الماضية. وحجزت ذات المصالح في المدة نفسها 39 بندقية صيد، 7 مسدسات، 13 سلاحا حربيا، 50 سلاحا تقليديا، 5890 ذخيرة حيّة من عيارات مختلفة، 28959 كبسولة. ولا يقتصر نشاط هذه العصابات على المتاجرة في الذخيرة الحيّة والأسلحة، فالمتفجرات أيضا دخلت على الخط، إذ حجزت مصالح الدرك الوطني بمستغانم في آخر عملية 800, 21 كلغ من متفجرات ''ت.ن.ت''، و44, 37 متر من الفتيل، بحوزة صيادين بمنطقة سايدا. وأسفرت عملية تفتيش بيت أحد المتهمين أيضا عن حجز 52 لغما، و4 كلغ من متفجرات ''ت.ن.ت''. أسلحة لتصفية الحسابات وعلى طريقة المافيا الإيطالية، أصبح رجال المال والأعمال يلجؤون إلى تصفية حساباتهم بالأسلحة. وفي السياق، نذكر القضية التي هزت الشارع السطايفي قبل أقل من سنة، عندما اكتشفت مصالح الأمن قنبلة تقليدية بحي ثابت بوزيد بالقرب من منزل تاجر بسوق ''دبي'' الشهير بالعلمة. وفيما ذهبت التأويلات إلى أن جماعات إرهابية وراء الحادث، بيّنت التحقيقات أنه فعل انتقامي وتصفية حسابات بين المتهم والضحية في أكبر قطب تجاري في شرق البلاد، حيث اتصل شريك الضحية طالبا مبلغا ماليا ضخما ليفصح عن هوية الفاعلين، قبل أن يتبيّن أنه الفاعل. وتحوّلت العديد من مناطق الولاية إلى مركز لنشاط عصابات تجارة الأسلحة، حيث تم اكتشاف الكثير من الورشات السرية لصناعة الأسلحة والذخيرة الحيّة، كما يكثر تداول الأسلحة الأوتوماتيكية التي تدخل من المهرّبة من ليبيا عبر ولاية الوادي. ويتراوح ثمن هذه الأسلحة بين 4 إلى 5, 6 مليون سنتيم. ويكثر الطلب على مسدس ''البيريطا''، وهو السلاح المفضل للعصابات في أعمالها الإجرامية واعتداءاتها على ضحاياها. الموت القادم من ليبيا وتشير تحريات مصالح الأمن إلى أن أهم مصادر السلاح الذي يهرّب إلى الجزائر هي ليبيا، بعد أن كانت التشاد والسودان، دارفور تحديدا، المصدر الرئيسي قبل الثورة الليبية، إذ ساهمت الحرب الأهلية في ليبيا التي أعقبت سقوط النظام السابق في توفير كميات ضخمة من الأسلحة، وبمختلف الأحجام والأنواع، وبأسعار في متناول الجميع، خاصة في المناطق الجنوبية. وكانت أسلاك الأمن والجيش أوقفت سنة 2011 نحو 214 متهم بتهريب السلاح في الحدود الجنوبية والشرقية خلال عام 2011، وفككت 10 عصابات متخصصة في تهريب السلاح إلى الجزائر بعضها يعمل لصالح تنظيم القاعدة، وحجزت 1500 قطعة سلاح تقريبا وكميات ضخمة من الذخائر. وتشير تحقيقات المصالح الأمنية إلى أن الإقبال على الأسلحة الفردية، ومسدس ''البيريطا'' تحديدا، تراجع لصالح الرشاشات (الكلاشنيكوف) بمختلف أنواعها، حيث يكثر الطلب عليها من رجال الأعمال، كما تستغلها عصابات التهريب في تأمين قوافلها في عمق الصحراء.