وجدت السلطة نفسها تواجه جبهتين، واحدة خارجية تريد أدقّ التفاصيل والمعلومات عما جرى في الهجوم الإرهابي على تيفنتورين، خصوصا من الدول الأجنبية التي فقدت رعاياها في الاعتداء، وجبهة داخلية تنتقد عدم إشراكها فيما تسميه القضايا المصيرية، على غرار فتح المجال الجوي أمام الطائرات الفرنسية لشن الحرب في مالي. هذه المتاعب التي تواجهها السلطة، كان بالمقدور تفاديها لو اعتمدت مؤسسات الدولة تسيير الأزمة ب ''الشفافية'' وليس بالغلق الذي زاد من تأزيم الوضع، خصوصا في الشارع الذي وجد نفسه يتلقى أخبار بلاده من مصادر حكومية أجنبية، كما كان مع مسألة فتح المجال الجوي للطائرات الفرنسية. هذه الأوضاع خلقت حالة من الريبة والشك ليس وسط الطبقة السياسية، بل وصلت إلى حد توجيه الاتهامات للسلطة بالتخلي عن مبادىء الدولة والرضوخ لإملاءات خارجية. بعد الرهان الخاسر على أنصار الدين وفتح المجال الجوي لطائراتها المعارضة تتهم بوتفليقة بالرضوخ لضغوط باريس أثار انتقال الجزائر من الدفاع باستماتة على الحل السياسي التفاوضي لأزمة مالي، إلى سماحها بعبور الطائرات الفرنسية للمجال الجوي الجزائري، حالة من الريبة والغضب وسط أحزاب المعارضة التي اشتمت من وراء ذلك إمكانية وجود صفقة جعلت السلطة تغيّر موقفها بسرعة قياسية. سارعت أحزاب المعارضة سواء المنضوية في مجموعة ''الدفاع عن الذاكرة''، أو تلك التي فضّلت العمل بمفردها، إلى مطالبة السلطة بالحساب عما تسميه ''التنازل'' عن قرارات سيادية. في إشارة إلى فتح المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات الفرنسية في حربها في مالي ب''دون حدود'' مثلما قال لوران فابيوس. وتكون القطرة التي أفاضت كأس الغضب لدى المعارضة ضد السلطة، هو الاعتداء الإرهابي ضد المنشأة الغازية بعين أمناس الذي تبنته القاعدة، بمبرر السماح لفرنسا بعبور الأجواء الجزائرية. وترى المعارضة أن قرار السماح بعبور الطائرات الفرنسية للمجال الجوي الجزائري، ما كان للسلطة أن تتخذه ''منفردة''، بل هو قرار له تبعات سياسية، وبالتالي كان يقتضي الأمر إشراك الطبقة السياسية فيه. وما غذا غضب المعارضة، ليس القرار في حد ذاته، لأنه كان بإمكان الطائرات الفرنسية العبور من المغرب في حال رفض الجزائر، بل طريقة الإعلان عن القرار التي وصفت ب ''المفاجأة''، كونها صدرت من باريس ولم يكشف عنها أي مسؤول جزائري، وهو ما أعطى الانطباع بأن باريس لم تكن تريد عبور الأجواء فحسب، لكن جرّ الجزائر إلى هذه الحرب التي رفضتها منذ البداية. واضطرت السلطة للخروج عن صمتها على لسان الوزير الأول عبد المالك سلال الذي قال إن ''السلطات أعطت الموافقة على فتح الحدود الجوية للطيران الحربي الفرنسي''لأن ترابنا الحدودي في خطر''. ودافع عن القرار بقوله: ''إننا لم نفتح أجواءنا لضرب شعب مالي، وإنما للقضاء على الإرهابيين''. وسئل عن ''ضغوط'' فرضت على الجزائر لفتح أجوائها، فرد ''لم تلده أمه بعد من يفرض علينا ضغوطا''. غير أن هذه التوضيحات لم تقنع مجموعة الأحزاب المجتمعة بمقر حركة مجتمع السلم التي طالبت السلطة ب''وقف مسلسل التنازلات والتمسك بمواقف الجزائر من الاستعمار والتدخل الأجنبي، وغلق الممرات الجوية أمام الطيران العسكري الفرنسي وغيره''، فيما دعا آخرون إلى رحيل الرئيس. وبعيدا عن فتح المجال الجوي، التزمت السلطة الصمت حيال فشل الرهان الذي وضعته على حركة أنصار الدين التي دعّمتها الجزائر وجعلتها شريكا أساسيا في طاولة ''المفاوضات'' بعدما كانت مصنّفة في خانة الحركات الإرهابية، لكن تبّين أنه كان رهانا خاسرا على طول الخط، لأن موقف إياد أغ غالي أعطى المشروعية لدعاة الحرب أكثر من دعمه لأنصار الحل السياسي وفي مقدمتهم الجزائر، وهو ما يعتبر في لغة الحساب فشل دبلوماسي ذريع. ح. س أمام تسيير الملف الأمني في الغموض من جانب السلطة أحزاب غوغائية وبرلمان مستقيل جرت أحداث خطيرة في البلاد خلال الأسبوعين الماضيين هددت أمنها واقتصادها، دون أن تدفع بالبرلمان إلى إثارة نقاش حولها ولم تتحرك في النواب العزيمة لمساءلة الحكومة، رغم أن لديهم من أدوات الرقابة، إن كانوا على علم بها، ما يتيح لهم الضغط على الجهاز التنفيذي للكف عن التصرف في القضايا المصيرية في الغموض والضبابية. كان النقاش الذي أثارته ''مجموعة ال''11 حول قضية فتح الفضاء الجنوبي لتحليق الطائرات الحربية الفرنسية، غوغائيا تم ربطه بقصص سمعها الجميع ومن زمان، تتعلق ب''أطماع فرنسا الاستعمارية بالمنطقة''، وما شابهها من ''نية الغرب في إقامة قواعد عسكرية بالساحل''. وغاب عن قادة هذه الأحزاب، وعن البرلمانيين الذين تابعوا الأحداث الأخيرة، أنها مضبوطة بقانون صادر في 27 جوان 1998 يحدد القواعد العامة للطيران المدني، تمنع المادة 174 منه، تحليق طائرة دولة أجنبية فوق التراب الوطني أو النزول عليه دون رخصة تعدّها السلطة المختصة. وفصل مرسوم تنفيذي صدر في 30 أوت 2010، في قواعد تحليق الطائرات الأجنبية فوق التراب الوطني، إذ يقول بأن وزارة الدفاع هي الجهة المخولة بإصدار الرخصة، وأن طلب الدولة الأجنبية يوجّه إلى وزارة الخارجية، التي تعطي رأيها فيه قبل رفعه إلى وزارة الدفاع. وكان يفترض في مثل هذه الظروف الأمنية الخطيرة التي تمر بها المنطقة والجزائر حاليا، أن تصدر وزارتي الدفاع والخارجية بيانا تعلمان فيه الجزائريين، بأن فرنسا طلبت رخصة لاستعمال أجواء البلاد في حربها على الجماعات الإرهابية في شمال مالي، وأن السلطات أصدرتها لها. وما دام أن الوزارتين تعمدتا إحاطة المسألة في الغموض، كان يفترض على البرلمان لو كان أعضاؤه ورئيسه يشعرون بأنهم يحملون أمانة، أن يمارسوا حقهم في مراقبة عمل الحكومة عن طريق توجيه استجواب لها ، فالأمر يتعلق بإحدى قضايا الساعة والمادة 133 من الدستور شاهدة على ذلك. وبإمكان النواب الاستعانة بالمادة التي تليها لإجبار الجنرال عبد المالك فنايزية ومراد مدلسي، بل حتى عبد المالك سلال، على شرح بأي صيغة جاء الطلب الفرنسي وما هي مبرراته حتى تمنح السلطات لفرنسا أجواء البلاد لشن عمل عسكري ضد بلد حدودي. وبما أن المجلس الشعبي الوطني لم يفعلها، ولا يبدو أنه سيبادر بها، فقد أخلَ بالمادة 100 من الدستور التي تقول: ''واجب البرلمان أن يبقى وفيا لثقة الشعب ويظل يتحسس تطلعاته''. نفس الشيء ينطبق على حادثة تيقنتورين. فالعملية الإرهابية التي خطط لها مختار بلمختار ونفّذها عناصره، عكست ثغرات أمنية خطيرة بالمنشأة الغازية. ويفترض أن يدفع ذلك بالنواب إلى مساءلة وزير الداخلية على التقصير الأمني الذي أدى إلى مقتل 37 شخصا. ولا يوجد أي شيء يمنع البرلمان من إنشاء لجنة تحقيق أو مساءلة الوزير الأول بشأن القضية. وإذا كان نواب الافالان والأرندي يفكرون ويتصرفون بمنطق الحكومة، فإن نواب الأحزاب التي تزعم المعارضة يفترض فيهم أنهم تحركوا لمساءلة الحكومة، والضغط على مكتب البرلمان ليفتح نقاشا في الأحداث. والمناقشة قد تؤدي إلى ملتمس الرقابة، المهم أن يظهر النواب أنهم يؤدون دورهم الرقابي بدل الاكتفاء بالشجب والإدانة. الجزائر: حميد يس نقاش قاسة عيسى عضو المكتب السياسي والمكلف بالإعلام بالأفالان ل''الخبر'' ''من حق المعارضة أن تطالب بفتح نقاش في البرلمان'' هناك لائحة لكتل نيابية معارضة، تطالب بفتح نقاش حول تطورات الوضع في شمال مالي وانعكاساته على الأمن الوطني، أنتم كحزب الأغلبية البرلمانية، ألا تعتقدون أنه من الضرورة إقامة مثل هذا النقاش لتنوير الرأي العام الجزائري؟ مبدئيا إقامة نقاش أو مساءلة الحكومة، من صلاحيات البرلمانيين لا غير، ولكن الثابت أن رسم السياسة الخارجية للدولة وإدارتها من صلاحيات رئيس الجمهورية، ومع ذلك من حق المعارضة أن تطالب بفتح هذا النقاش. البرلمان الفرنسي أقام نقاشا حول الوضع في مالي، الرئيس الفرنسي استقبل الأحزاب السياسية لإطلاعها على المستجدات، في بريطانيا عقدت جلسة للبرلمان حول قضية الرهائن في عين أمناس، والكونغرس الأمريكي حقّق مع وزيرة الخارجية في قضية مقتل السفير في ليبيا، في حين تعاملت السلطة في الجزائر بغموض كبير؟ شخصيا لاحظت وجود نقائص واختلال في الاتصال المؤسساتي، وكيفية إدارة الاتصال والإعلام خلال الأزمة الأخيرة ويتوجّب معالجة هذا الأمر. أما بخصوص فتح نقاش برلماني، فالوضع يختلف من بلد إلى بلد آخر، وحتى في الديمقراطيات الغربية العريقة يجري التعامل لديها بحذر مع مثل هذه القضايا. في عز الأزمة الأمنية الجزائرية، أقام المجلس الشعبي الوطني نقاشا حول المجازر التي شهدتها بلادنا في تلك الفترة، وأرغم رئيس الحكومة حينها، أحمد أويحيى، للنزول إلى المجلس والرد على النواب بما فيهم نواب حزبه. والآن والجزائر مستقرة تعجز عن إقامة مثل هذا النقاش؟ النقاش الذي نظم حينذاك، يجب أن يوضع في سياقه التاريخي، حيث تزامن مع تحريك من يقتل من؟ مع ضغوط دولية على الدولة، وزيارة لجنة الأممالمتحدة للجزائر المعروفة بلجنة سواريس رئيس وزراء البرتغال سابقا. الظروف تغيّرت عن التسعينيات، يفترض أن تقبل السلطة بتقديم الحساب والحصيلة للجزائريين، وإقامة مثل هذا النقاش وتنوير الرأي في صالحها أيضا؟ المعارضة من حقها أن تطالب بنقاش أو مساءلة الحكومة. نحن لا نعارض الحوار أو النقاش حول المسائل التي تهم الأمة، ولكن يجب أن ندرس الفائدة منها، ولا ننسى أن هناك صيغ أخرى للإطلاع على المعطيات، فهناك آلية الأسئلة الشفوية، أو استدعاء وزير الخارجية أو اللجنة المختصة في المجلس الشعبي الوطني، الجنة الشؤون الخارجية. الجزائر: حاوره جمال. ف جلول جودي رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العمال ل''الخبر'' ''من واجب البرلمان مناقشة حرب مالي لأن الجزائر مستهدفة'' طلبت الكتلة البرلمانية لحزب العمال بالاشتراك مع كتلة الجزائر الخضراء، فتح نقاش حول تطورات الوضع في مالي، ما الغرض من هذا الطلب؟ من حق البرلمان إقامة نقاش حول انعكاسات الحرب في شمال، لأن الجزائر هي المستهدفة. وقد سبق لحزبنا في حملاته الانتخابية التحذير من خطورتها. وطالبنا بتحصين الوحدة الوطنية وحدودنا. ونرى المبادرة أكثر من ضرورية في هذه المرحلة لأنها تسمح بتجنيد الجزائريين حول الوحدة وحماية الحدود الوطنية وإدراك المخاطر التي تتربص بلادنا وشعبنا. اقتصر الطلب عليكم وعلى الجزائر الخضراء، ما هو موقف المجموعات البرلمانية الأخرى؟ وافقت الجزائر الخضراء، ووقّعت معنا على المبادرة، لقد اتصلنا بنواب الأفافاس، لكنهم اعتذروا وقالوا أن مثل هذا القرار يحتاج العودة إلى المجلس الوطني للحزب. ورئيس كتلة الأرندي قال أن عليه العودة إلى قيادة الحزب. أما الأفالان فكانت لنا اتصالات غير رسمية معه وتوقّف الأمر عند هذا الحد. ماذا كان رد رئاسة المجلس على طلبكم؟ سلّمنا الطلب بفتح نقاش يوم 21 جانفي الجاري أي يوم المصادقة على قانون المحروقات، ولم نتلق ردا بعد، والدستور والنظام الداخلي للمجلس يتيح لنا فتح نقاش. وقد فعلنا ذلك في العهدة 97-2002 حول الوضع الأمني والعهدة التي تلتها إثر الاعتداء الإسرائيلي على الفلسطينيين. وأؤكد هنا أن الهدف من مبادرتنا هو ترقية دور المجلس وممارسة صلاحياته. إنه مؤسسة سيادية وإقامة نقاش حول المسائل التي تهم الشعب في صميم صلاحياته وفق أحكام المادة 133 من الدستور التي تنص على أنه يمكن لأعضاء البرلمان استجواب الحكومة في إحدى قضايا الساعة. طلب فتح المناقشة يقتضي حضور الحكومة هل تتوقعون نزول رئيس الحكومة إلى البرلمان؟ لا أستطيع أن أجزم هنا، توجهنا بطلبنا إلى رئاسة المجلس الشعبي الوطني، ومن المفروض أن نبلّغ بالقبول أو الرفض. وإذا كان هناك رد إيجابي ففيه فائدة للجميع، وإذا كان الرد سلبيا سنتكلم عنه في حينه، ولا نريد استباق الأمور، ولكن نجزم بأن النقاش يعود بالفائدة علينا. الحكومة أو السلطة متهمة بحجب المعلومات عن الجزائريين، وخصوصا ما تعلق بالترخيص لعبور طائرات حربية فرنسية للأجواء الجزائرية وأزمة الرهائن في عين أمناس؟ حين يتعلق الأمر بقضايا أمنية خالصة يمكن تفهم الأمر، لأنها تتطلب سرية في المعالجة ووقتا لكشف كل جوانبها. الجزائر: حاوره جمال.ف