كان جواب سلال على عبور الطائرات الفرنسية، أن ''نيف الجزائري'' لا يسمح لأي كان بالضغط على الجزائر.. ''ما ولداتوش أمو بعد'' من يضغط على الجزائر.. لحظة سماعي هذه الكلمات، غير الملائمة للموضوع، استرجعت ذكريات صرخة ''أرفع راسك آبا'' التي صدرت عن الرئيس، وحملت أكثر مما تتحمله الكلمة من معان، جعلت الجزائري يصول في بحر الخيال بحثا عن خيط ربما يربطه بمصدر صدى هذا الصوت.. الآتي من أعماق الفراغ. تذكرت نداء ''أرفع راسك آ با'' في تجربة حكم، أعطت للمعنى مفهوما آخر.. ''عمّر راسك آ با''. إذا استثنينا أقواس الحملات الانتخابية، لا تبرز في الخطاب السياسي أي مودة اتجاه الرأي العام. لا تقدير ولا احترام. ولا شكر. نستقي أخبارنا من غيرنا. وهو ما يفسر إلى حد كبير، ظاهرة تعدد اتجاهات الرأي العام إلى درجة الانقسام. فكل فريق يكون صورته وحكمه على قضايا وأحداث وفق المصادر التي يعتمد عليها. قرأ البعض تعيين رئيس حزب ''معارض'' على رأس وزارة الاتصال على أنه إعلان نية من رئيس الجمهورية، ومن السلطة الفعلية بفتح الإعلام على المجتمع. والتعامل مع الشعب ككتلة واعية وناضجة. وما زاد في قناعة المتفائلين، أن الوزير كان اليد اليمنى، للدكتور طالب عندما تم ''تخريب'' قفل باب مكتب، وضياع استمارات توقيع دعم ترشحه لرئاسيات .2004 ثم دوره في تحريك وسائل الإعلام لفضح بطلان فرضية ''اعتداء هواء البحر على قفل الباب''، إلى إدارته ، باعتباره أمين عام حركة الوفاء، ما يشبه المواجهة مع الوزير زرهوني لقضية رفض اعتماد الحركة. فتلك كانت من ''الخصال'' التي ركّز عليها المتفائلون، قبل أن يستفيقوا على الحقيقة. فالوزير السياسي، يتحدث اليوم عن قنوات الرقص والغناء والرياضة وكل ما له علاقة بالتنويم المغناطيسي. و''يمنع'' السياسة على المواطن. فلا نقاش ولا حوار. لا لقاء ولا ربورتاج ولا تحقيق.. غير صورته ولهجته، وكأننا نستمع إلى زرهوني أو ولد قابلية، وسلال وباقي المجموعة التي لا تعرف معنى المعارضة''. في ظل أجواء الغلق والتعتيم، من الطبيعي أن يطول عمر الخطاب الشعبوي، ليبقى وسيلة التخاطب، يلجأ إليها السياسي كلما تاه بين أسئلة محرجة أو دقيقة. فالتركيبات الفارغة، أصبحت هي مخرج النفاذ. لكنها تدفع بقطاع كبير من الجزائريين ليعتمدوا على مصادر غير المصادر الجزائرية. نتفهم سحر المناصب، وعدم قدرة التفريط فيها. وعندما يطرح للاختيار بين الكرسي أو المبادئ، غالبا ما يتم اختيار الأول باسم المصلحة.. ''العليا''. أما المواطن فيقال له ''اضرب راسك يا آبا''.. ما قاله سلال لا يختلف في جوهره عن كبرياء زائفة كانت تبدو على من سبقه في الكرسي. فقد كان أويحيى يحسن فن التلاعب بالأمثال الشعبية. وهي الورقة التي قد تعيده العام المقبل لدخول حملة الرئاسيات، في حال اكتفى الرئيس الحالي بما قضاه من السنوات في الحكم.. ولا نستغرب من انتشار ظاهرة الاعتماد على الأمثال الشعبية بين السياسيين، فقد اكتشفوا سحرها ونفوذها.. فهي تفتح أمامهم أبواب ''سمسم''. باستخدام ''الهف'' ولغة ''الفانطازية''. وتقربهم من بعض بطاقات الناخبين.