الانقلابات النخبوية.. هل هي الصفة التي يمكن أن نصف بها ما حدث على رأس التجمع الوطني وحزب جبهة التحرير؟ إن كان التقدير سليما فإن الانقلاب النخبوي في هذين الحزبين لم يبدأ مع أحمد أويحيى ولا مع عبد العزيز بلخادم. فإذا ما تذكرنا كيف وصل أويحيى إلى قيادة التجمع الوطني الديمقراطي وتذكرنا كيف وصل بلخادم والأمناء العامون في هذا الحزب منذ ما سمي ''المؤامرة العلمية'' والتي نظمت ضد الأمين العام المرحوم، بإذن الله، عبد الحميد مهري، بداية العام 1996، فصفة الانقلاب تكون هي الغالبة. لهذا كل انقلاب نخبوي يؤدي بعد فترة إلى انقلاب نخبوي آخر وتدفع الدولة ومؤسساتها من مصداقيتها ومن فعاليتها في عالم لا يرحم وفي عالم لا يحمي فيه مصالحه، إلا الدولة القوية بمؤسساتها. نعم، التوازنات التي تحدث في لحظة سياسية ما، عرضة للتغيير الموضوعي أو الإرادي ولكن المشكلة هي أن التعبير عن التوازنات الجديدة لا يتم وفق آليات عادية ويحمل نكهة انقلابية قوية ويعكس انعدام حياة ديمقراطية داخل هذه الأجهزة الحزبية. إن هذا الوضع هو إحدى الإشكاليات، لأنه يجعل ''المهم'' هو الشخص الذي يرأس هذا التنظيم أو ذاك، وليس البرنامج ولا الأفكار. لم نر خلافا على برنامج ولا على توجهات سياسية. فالكل، في الأرندي ومن دون شك في الأفالان، يؤكد أنه في خدمة برنامج الرئيس. ولكن لماذا فضل أحمد أويحيى التخلى عن منصبه، في حين أظهر عبد العزيز بلخادم تمسكا غريبا بمنصبه، حتى بعد أن ظهر أنه أقلية وفضّل الدخول في متاهات البحث عن المساندة عند سلطة السلطة أو عند لست أدري من؟ ربما هو واقع واحد بتعبيرات مختلفة وربما هويات مختلفة وربما مستقبلا مختلفا. إن المضاربات تجعل الوضع رهن تجاذبات جناحين أو أكثر، من أجل السيطرة على حزبي ''الأغلبية!'' وذلك تحضيرا لترتيب مسائل سياسية كثيرة، منها رئاسيات .2014 لكن مهما كانت خفايا الأمور، فإن قلة شرعية قيادات الأحزاب وكونها وصلت إلى مناصبها من دون استحقاق نضالي، أكيد هي السبب الأول في هذا المناخ ''الانقلابي''. فهل يمكن فعلا أن نحمّل الأزمة السياسية التي عرفها كل من الأرندي والأفالان وإعلان سلطاني عدم ترشحه لرئاسة حركته مرة أخرى وقد سبق الجميع سعيد سعدي بالاستقالة ثم السيد حسين آيت أحمد بإعلانه الرسمي أنه لن يترشح لعهدة أخرى، هل يمكن أن نحمّل هذه التحولات أبعادا سياسية تحمل صفة التغيير المرتقب في الساحة السياسية؟ لست أدري فعلا. الكثير مثلا يقرأ التحول على رأس الأرندي والأفالان على أنه مؤشر على أن موضوع الرئاسيات المقبلة، ستتم مقاربته بأسلوب مغاير وربما بواجهة سياسية مختلفة بشكل كبير عما كانت عليه. ولكن مع ذلك لا شيء يدل بوضوح أن أمر الرئاسيات المقبلة قد حسم، فأي تغيير يمكن انتظاره؟ ينبغي التنبيه إلى أن المهم في كل هذا ليس تغيير الأشخاص. فالتغيير والإصلاح وقيام دولة المؤسسات ودولة القانون لا يكفِيه تغيير أشخاص ولو على رأس أحزاب ''الأغلبية البرلمانية!'' المطعون في شرعيتها بعمق. التغيير في حاجة لمنطق سياسي جديد والمنطق السياسي الجديد في حاجة لنخبة جديدة، وكل ذلك مشروط بقواعد دستورية جديدة وترتيب مؤسساتي جديد ومنطق اتخاذ قرار مختلف وهذا يعني دستورا عصريا وواقعا سياسيا فاعلا بمنطق عمل حديث وأحزاب حقيقية، لكن هذا قد يحتاج سنوات طويلة ويحتاج بالخصوص لوجود فعل نضالي منتظم وفاعل عند الكثير من النخب ومن المواطنين. إن المشكلة هي أيضا بناء خطاب سياسي آخر قائم على مدارس معرفية وفكرية، تنتج بدائل حلول فعلية وفاعلة. وإذا تحدثنا عن ''الأحزاب الوطنية''، فهل سنشهد بعد أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم خطابا آخر غير خطاب التبرير. خطاب سياسي يعكس فعلا المصالح المختلفة في المجتمع وأولها مصلحة الأغلبية من الناس عمالا وطبقة وسطى؟ الواقع أن المناخ السياسي العام بلغ حالا مفجعة من الرداءة والفراغ الذي أحدثه غياب السياسي لمدة زمنية طويلة، يجعل الواقع يعيد إنتاج نفسه، إلا إذا توفرت إرادة أخرى في هذا الاتجاه أو ذاك! [email protected]