''غدوة نغلقوا الطريق''.. عبارة تحوّلت إلى قرار يُتّخذ على مستوى الجمعيات العامة للقرى والأحياء والنقابات والجمعيات لولاية تيزي وزو، بعدما تضيق السبل بالمواطنين، وبعدما يرى هؤلاء أن أدنى حقوقهم ضاعت في أدراج مختلف الإدارات، فلا يجدون سوى عرقلة السير العادي للحياة اليومية، لدفع السلطات العمومية للردّ على انشغالاتهم. ويرى العديد من المواطنين، الذين تحدّثنا إليهم بهذا الخصوص، أن ''السلطات العمومية ترضخ بحسب درجة الحركة الاحتجاجية''. سجّلت ولاية تيزي وزو، خلال العام المنصرم، حسب إحصائيات رسمية لمصالح الدرك الوطني وحدها، أزيد من 266 حركة احتجاجية شنّها مواطنون من مختلف الفئات، لأسباب تلتقي كلّها في المطالبة بتحسين الظروف المعيشية، بعدما اقتنع المواطنون أن السبيل الوحيد لتحقيق المطالب هو الاحتجاج بأقصى الدرجات الممكنة. وليس هذا مجرّد اقتناع، بل أكّدت ردود فعل السلطات العمومية أن التظاهر وقطع الطريق يعتبر أنجع السبل وأقصر الطرق للحصول على المطالب. فقد استجابت السلطات لمطلب مواطنين قطعوا الطريق الوطني رقم 12 على مستوى وادي عيسي، حيث تمّ تعبيد طريق قريتهم. ولما فهم هؤلاء المواطنون ''من أين تُؤكل الكتف''، جدّدوا، أشهرا قليلة بعد ذلك، الاحتجاج نفسه بالطريقة نفسها لمطلب آخر، فجاءت الاستجابة أسرع من الأولى.
مدخل مقر الولاية.. أو ''حائط المبكى'' عندما يدخل المواطن إلى مقر ولاية تيزي وزو فإن أول ما يصادفه، كديكور يومي منذ حوالي سنتين، شاحنتان تابعتان لمصالح الشرطة وأعداد معتبرة من أعوان مكافحة الشغب رابضون بالقرب من الشاحنتين لا يغادرون المكان، ليل نهار وعلى مدى أيام الأسبوع، في هيئة حالة الطوارئ، حتى يعتقد الداخل لمقر الولاية أنه يلج إحدى الهيئات الأمنية وليس إدارة مدنية. ويأتي قرار استقدام هذه التعزيزات الأمنية بعدما أصبح مدخل مقر الولاية ''حائط مبكى''، حيث لا يمرّ أسبوع دون أن يتمّ تسجيل حركتين احتجاجيتين على الأقل، يشنّها مواطنون وموظّفون وطلبة وعمال ومعاقون ومختلف فئات المواطنين، للتعبير عن تذمّرهم، أو لتقديم شكوى من حرمانهم من حقوق تُعتبر من أدنى الحقوق التي تمكّن الإنسان من الاستمرار في الحياة، على شاكلة الماء الشروب أو الكهرباء أو تزفيت الطريق. وباستثناء عناصر الجيش الوطني الشعبي وأفراد الشرطة وأعوان الدرك الوطني والأئمة، فإنّ بقية فئات المجتمع بالولاية نظّمت، على الأقل، اعتصاما احتجاجيا واحدا أمام إحدى الإدارات العمومية.
60 غلقا للإدارات العمومية وعشرات المئات من عمليات قطع الطرق أحصت مصالح الدرك الوطني، خلال السنة الماضية، 60 عملية غلق لمقرّات إدارية عمومية في إطار الحركات الاحتجاجية التي شهدتها الولاية، حيث يعمد المواطنون إلى غلق المقرات الإدارية، ومسّت هذه العملية، في الأغلبية الساحقة من الحالات، مقرّات البلديات، حيث يراها المحتجون كرمز للسلطات العمومية التي لم تستجب لمطالبهم، كما إن الظاهرة مسّت كذلك مقرّات ''الجزائرية للمياه'' وشركة ''سونلغاز''، كون أغلب احتجاجات المواطنين بولاية تيزي وزو تأتي عندما يُحرمون من الماء أو الكهرباء، باعتبارهما من ضروريات الحياة. إلا أن الظاهرة امتدت للمطالب السياسية، حيث شهدت مقرّات عدد من البلديات غلقا لعدّة أيام، بفعل الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات المحلّية الأخيرة والخلافات السياسية الناتجة عنها. ويعدّ قطع الطرقات أمام حركة المرور أبرز المشاهد التي أضحت تطبع يوميات المنطقة. فالطريق الوطني رقم 12، أكبر طريق بالولاية، ظلّ، على مدار السنوات الأخيرة، يشهد كل أسبوع تقريبا حركات احتجاجية لمواطني العديد من القرى والبلديات، للفت انتباه السلطات العمومية، حيث كانت هذه الحركات على مستوى الطريق المذكور، في عدّة مناسبات، وراء شلّ الحركة بين عاصمة الولاية وأزيد من نصف عدد البلديات.
68 حركة احتجاجية وأزيد من 44 اعتصاما تشير الأرقام الرسمية إلى قرابة 70 حركة احتجاجية استدعت كلّها تجنّد مصالح الأمن تحسّبا لأيّ طارئ، كما شهدت الولاية، بمختلف بلدياتها، تجمّعات احتجاجية قدّرتها مصالح الدرك الوطني ب44 تجمّعا، إلا أن ما خفي أعظم، حيث إن التجمّعات التي تمّ تنظيمها أمام مبنى الولاية لوحدها تكاد تكون أسبوعية، علاوة على تلك التي يتمّ تنظيمها أمام مداخل البلديات ومقرّات الدوائر والإدارات العمومية، وحتى مبنى مجلس القضاء كان له نصيبه من التجمّعات الاحتجاجية.
عشرات الإضرابات شلّت مختلف القطاعات شهدت العديد من قطاعات النشاط بولاية تيزي وزو، خلال السنة المنقضية، إضرابات وتوقّفات عن العمل كان الهدف منها المطالبة بتحسين الظروف المعيشية والمهنية. وقد احتل قطاع العمل والتشغيل الصدارة بما لا يقلّ عن 26 إضرابا، كما شنّ عمال قطاعات النقل، التربية والصحة 10 إضرابات، بين ما هو محلّي وما هو مرتبط بحركات وطنية، وقد نتج عن هذه الحركات ضياع عشرات المئات من ساعات العمل. ولم يتخلّف المتمدرسون، في مختلف الأطوار والمراحل التربوية، عن ظاهرة الاحتجاجات، حيث سجّلت الولاية، خلال العام 2012، ما لا يقلّ عن 26 توقّفا عن الدراسة في قطاعات التعليم العالي، التربية، والتكوين والتعليم المهنيين، وكانت أغلبها من قِبل الطلبة الجامعيين الذين يعبّرون عن تذمّرهم من الخدمات المقدّمة على مستوى الإقامات الجامعية، أو لرفع احتجاجاتهم على المشاكل البيداغوجية التي يعانون منها.
السلطات تتعامل بحذر وتستثمر في الوضع بين من يقول إن الدافع هو الأحداث المأساوية التي شهدتها المنطقة العام 2001، وبين من يقول إنه هاجس ''الربيع العربي''، فإن السلطات العمومية بولاية تيزي وزو تتعامل بحذر شديد مع الحركات الاحتجاجية، وتعمل بشكل يصبّ في اتّجاه إخماد الحركة دون اللجوء إلى الاستفزاز، سواء بدافع عدم الرغبة في العودة إلى ما يشبه أحداث ''الربيع الأسود'' لسنة 2001، أو لإبعاد كلّ ما يشتبه في أنه قد يُشعل فتيل احتجاج قد ينتهي بعبارة ''ارحل''. هذه الإستراتيجية جعلت المواطنين يؤمنون، فعلا، أن السلطات تعمل عكس رغباتهم، سواء نتيجة الإهمال والتقاعس عن العمل، أو لأسباب مجهولة، ذلك أن العديد من الانشغالات تبقى عالقة لعشرات السنين، لكن بمجرّد شنّ حركة احتجاجية واسعة تسارع الجهات المعنية للتكفّل بها في أسرع وقت، إلى درجة أن السكان أصبحوا يلجأون للاحتجاج لتلتفت إليهم السلطات. وأمام كثرة الحركات الاحتجاجية انتقلت السلطات العمومية إلى خطاب جديد، مفاده أن كثرة الاحتجاجات دليل على نجاح البرامج التنموية، ''وبالتالي، فإن المواطنين يطالبون بالمزيد''. لكن الحركات الاحتجاجية كاملة لم تخرج دوافعها عن 3 مطالب تتجدّد في كلّ احتجاج، وهي الماء الشروب وتعبيد الطريق وانقطاع التيار الكهربائي، وفي حالات قليلة الغاز الطبيعي، وهي مطالب يُفترض أنها لا تُطرح في بلد بحجم الجزائر. وقد ألقت هذه الظاهرة بظلالها على التنمية المحلّية، حيث تعاني الولاية مشكلا عويصا يتمثّل في ندرة وسائل الإنجاز، بسبب ''فرار'' العديد من المقاولين إلى ولايات أخرى، إذ يقول هؤلاء إن كثرة الحركات الاحتجاجية تسبّب لهم خسائر كبيرة، وبالتالي فإنهم يفضّلون العمل والاستثمار في مناطق أخرى.
من الاحتجاجات السياسية إلى المطالب الاجتماعية نجحت السلطات العمومية، إلى حدّ كبير، في احتواء الاحتجاجات ذات الطابع السياسي، والتي كانت، في السنوات الماضية، تطبع الحياة في المنطقة على شاكلة المسيرات والاعتصامات لطرح مطالب سياسية كالاعتراف بالأمازيغية، إلى جانب المسيرات الكبرى التي كانت تنظّمها الأحزاب السياسية المتجذّرة بالمنطقة، وبعض المنظّمات والجمعيات على غرار الحركة الثقافية الأمازيغية سابقا، لكن الوضع تغيّر حيث غابت هذه التظاهرات السياسية التي كانت تميّز المنطقة في عهد السرّية، لتحلّ محلّها احتجاجات لطرح مطالب اجتماعية دون تأطير من أيّ طرف كان، وبات المواطنون ينظّمون حركات احتجاجية غير متناهية لحمل المسؤولين على ربط القرى بالماء الشروب أو لتعبيد الطرقات، لتبقى هذه الطريقة تقليدا في الولاية لإيصال صوت الضعفاء والمحرومين إلى الجهات المعنية ليس للمطالبة بالرفاهية، لكن لتقديم نداء استغاثة لإنقاذهم من العطش، أو لتمكينهم من الدخول والخروج من منازلهم دون الغرق في الأوحال.