لا يوجد دِينٌ تلَقَّى من الطعون والافتراءات وإثارة الشُّبهات عليه، وتجنيد كلّ الوسائل لحربه وإبادته، كما تلَقَّى دين الإسلام، وذلك منذ أن طلعت شمسه على هذه البشرية. كما لا يوجد دينٌ ثبت ثبوت الجِبال الرّاسيات كما ثبت هذا الدِّين، بل لا يزال يتَّسِع اتّساعًا طَرْدِيًّا، وينتشر انتشارًا عالميًا، وذلك لأنّه دين اللّه عزّ وجلّ الّذي تَكَفَّل بحفظه، قال اللّه سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر:9. والله عزّ وجلّ الّذي أخبرنا بانتصار هذا الدِّين وظهوره، حذّرنا سبحانه وتعالى من أعداء ديننا وخاصة من اليهود والنّصارى، الّذين همُّهُم وغايتهم وهدفهم محاربة الإسلام والتّشكيك فيه، والطعن في أحكامه وفي كتابه في مواضع كثيرة جدًّا، بل في أمّ الكتاب الّتي تقرؤها في كلّ ركعة تجد قول اللّه تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، وهو دعاء وتضرُّعٌ للّه أن يُجنِّبَك طريق اليهود والنّصارى، وبَيَّن لنا أحسن بيان خطط الأعداء وبرامجهم وأهدافهم، وكشف لنا عن خبايا نفوسهم ومكنونات صدورهم. قال اللّه عزّ وجلّ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} البقرة:901، وأهل الكتاب هُم اليهود والنّصارى، فهُم لا يُريدون منّا إلاّ الرِّدة عن الإسلام. وقال اللّه سبحانه وتعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} آل عمران:021. تأمَّل أيُّها القارئ الكريم قول اللّه تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ} فمعنى ذلك: إن حصل لكم مجرد ''مَسّ''، أي قليل من الخير والنّفع، {تَسُؤْهُمْ}، أي تحزنهم وتغيظهم. وقال تعالى: {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} مِحنة {يَفْرَحُوا} أي يبتهجوا بِهَا، وفي ذلك إشارة إلى تناهي عداوتهم إلى حد الحسد والشّماتة. قال الإمام الفخر الرّازي في تفسيره: المراد بالحسنة هنا منفعة الدُّنيا على اختلاف أحوالها، فمنها صحّة البدن وحصول الخصب والفوز بالغنيمة والاستيلاء على الأعداء وحصول المحبَّة والأُلفة بين الأحباب، والمراد بالسيِّئة أضدادها، وهي المرض والفقر والهزيمة والانهزام من العدو وحصول التفرّق بين الأقارب، والقتل والنّهب والغارة. فبيّن تعالى أنّهم يحزنون ويَغْتَمُّون بحصول نوع من أنواع الحسنة للمسلمين ويفرحون بحصول نوع من أنواع السيّئة لهم. فأعداؤنا من اليهود والنّصارى لا يريدون لنا خيرًا ولا رُقَيًّا ولا نهضة، ويسعون جاهدين لكي لا نملك قوّة دينية ولا عسكرية ولا علمية. وهذا ليس بالغريب، فإنّ الشيء من معدنه لا يستغرب، ولكن الغريب أن يغرس هذا العدو في بلاد المسلمين نبتة خبيثة تقوم بحراسة مشاريعه، والعناية بتطبيق مخطّطاته، وفتح الأبواب لجيوشه، وتسويغ جرائمه والدفاع عن أهدافه وأغراضه. فاحذر أيُّها المسلم من كيد الأعداء، فإنّ اللّه عزّ وجلّ حَذّر نبيَّهُ فقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} المائدة:94. * إمام مسجد الأبرار - بوزريعة