مع انقضاء شهر مارس الجاري، غدا، نكون قد تجاوزنا مجددا التاريخ المحدد لإطلاق مسار منح رخصة الجيل الثالث للهاتف النقال، على غرار ما تم على مدار تسع سنوات، منذ 2004 تاريخ بداية بلورة مشروع اعتماد ما يعرف ب''النظام العالمي للاتصالات المتنقلة'' (يو آم تي آس)، وهو واحد من الجيل الثالث لتقنيات الاتصالات المتنقلة، إلى غاية الإعلان عن التحضير لإطلاق رخصة الجيل الثالث زائد في 2013. تداولت، في تلك المرحلة، 11 حكومة و12 وزيرا، دون أن يتم تحقيق أي نتيجة ملموسة. وتبقى الجزائر آخر الدول التي لم تعتمد بعد نظام الجيل الثالث، ناهيك عن الرابع في مجال الهاتف النقال، معللة ذلك باعتبارات تقنية ثم أمنية فبأسباب متعددة متعلقة بالتسعيرة وأخرى بعدم استعداد متعاملي الهاتف النقال وبمحيط السوق، ليبقى الملف يراوح مكانه، رغم التصريحات المتتالية لوزراء القطاع، الذين يقدمون مرارا تواريخ متكررة لانطلاق العمل بهذه التكنولوجيا دون القيام، بعدها، بتفسير الأسباب التي تقف وراء تأخير تاريخ إطلاق التقنية التي اعتمدتها دول عربية وإفريقية وإسلامية، منها الصومال ومالي وموريتانيا وأفغانستان، ناهيك عن دول الخليج وتونس والمغرب ومصر. بدأ مشروع الجيل الثالث للهاتف النقال يتبلور في الجزائر، مع تطور الهاتف النقال وتحرير القطاع من الاحتكار، خاصة بعد ثلاث سنوات من نشاط متعامل الهاتف النقال ''جيزي'' الذي بلغ أوج تطوره في مرحلة 2003.2004 وموازاة مع التحضير لمنح رخصة ثانية للهاتف النقال ومع الحكومة الثالثة لأحمد أويحيى (5 ماي 200324 ماي 2006) مع وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال زين الدين يوبي، بدأت أولى ملامح المرور إلى الجيل الثالث، وتم تأكيدها خلال عهد حكومة أويحيى الرابعة (19 أفريل 2004 الى 5 ماي 2005)، مع الوزير عمار تو وتم اختيار الشركات الصينية وخاصة ''هواوي'' والشروع في أول الاختبارات والإعلان، لأول مرة، عن رزنامة محددة لإطلاق التكنولوجيا الجديدة قبل الفاتح جانفي .2007 لكن التجارب التي تواصلت مع الوزير الجديد بوجمعة هيشور في حكومة أويحيى الخامسة ثم حكومة بلخادم الأولى، لم تسمح باحترام التاريخ المحدد، ليتم الإعلان من قبل الوزير هيشور، مجددا، عن تاريخ جديد قبل انقضاء العام 2007 وهو ما لم يتم احترامه أيضا. في نفس السياق، واصلت الجزائر من الناحية النظرية بعد منح الرخصة الثانية للهاتف النقال التي تحصلت عليها الوطنية للاتصالات الجزائر ''نجمة'' في 2004، واصلت دعم فكرة تطوير الجيل الثالث، خاصة أن المتعامل كان يؤكد على تطوير التكنولوجيات متعددة الوسائط، ولم تفلح حكومتا بلخادم ما بين 2006 و2008 في تجاوز نفس المراحل التي قطعتها الحكومات السابقة، ليبقى مشروع الجيل الثالث يراوح مكانه دائما. ومع عودة حكومة أويحيى في طبعتها الخامسة والسادسة والسابعة مع الوزير حميد بصالح ما بين 2008 و2010، تم تحديد تاريخ 2010 كموعد جديد لإطلاق التكنولوجيا الجديدة، إلا أن حكومة أويحيى الثامنة التي اختارت موسى بن حمادي وزيرا للقطاع، أعادت تغيير الرزنامة مجددا، ليتم الإعلان عن 2011 كتاريخ اعتماد الجيل الثالث. وككل مرة، يتم تأخير الموعد دون إعطاء مبررات مقنعة وموضوعية للتردد، الذي كان السمة الغالبة للملف. ومع حكومة سلال منذ 3 سبتمبر 2012، أعطيت تواريخ جديدة، حيث أعلن وزير القطاع موسى بن حمادي في 29 ديسمبر أن الملف سينتهى من إعداده من قبل مجموعة معيّنة من قبل الحكومة وسيتم إطلاق الجيل الثالث خلال الثلاثي الأول من .2013 وفي 19 مارس 2013، أعلن بن حمادي، على هامش مراسم التوقيع على اتفاقية بين ''موبيليس'' و''أي بي أم''، أن مسار إطلاق الجيل الثالث سيبدأ قبل نهاية مارس وأنه سيشرع في الإجراءات الإدارية لمنح الرخصة وأن دفتر الشروط جاهز وأن الملف سيوجه لسلطة الضبط، ليتم اتخاذ القرار للإطلاق الفعلي من قبل الحكومة بالتشاور مع سلطة الضبط وأن منشورا سيوقّع ليحدد تاريخ دخول الجيل الثالث حيّز الخدمة. وبعد تسع سنوات، لاتزال الجزائر حبيسة اعتبارات غير معروفة تدفعها للتردد، في وقت تجاوزت أغلب دول العالم هذه المرحلة بكثير، لتظل الجزائر حالة استثنائية ككل مرة، خاصة أن الملف سيواجه معطيات جديدة من بينها ملف ''جيزي''، إذ سيظل التساؤل حول كيفية التعامل مع أول متعامل للهاتف النقال ب18 مليون مشترك، الذي انتقل بنسبة الأغلبية إلى الجزائر (51 بالمائة) وتغيير الشريك فعليا (فيمبلكوم). كما سيظل التساؤل قائما حول مدى قدرة المتعامل التاريخي على تقديم عرض كاف للمنافسة، وهل سيتم إطلاق مناقصة لا تحقق الحد المقبول من المساواة بين كافة متعاملي الهاتف النقال؟