كشف الرئيس التونسي، منصف المرزوقي، أن الزعيم الحبيب بورقيبة، كان يتوسّل من الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لكي يردّ له حريته ولا يتركه تحت الإقامة الجبرية. وذكر المرزوقي، أن بورقيبة وصل به الأمر إلى أنه بعث برسائل توسّل لبن علي، يخاطبه فيها خاضعا، خانعا، وعبّر فيها عن رغبته في استعادة حريته، لكن بن علي تجاهله وفضّل تركه في وضعية سجين سياسي. تناول الرئيس منصف المرزوقي في كتابه الصادر حديثا في طبعة جزائرية عن منشورات ''ميديا بلوس'' بقسنطينة، بعنوان ''ابتكار ديمقراطية.. دروس التجربة التونسية''، جوانب من حياته النضالية ضد نظام الديكتاتور المخلوع بن علي، وعاد لظروف اهتمامه بالشأن السياسي، الذي لم يكن غريبا عنه منذ الصغر، بسبب تعرض والده لمضايقات نظام بورقيبة. وذكر المرزوقي أن والده كان من أنصار صالح بن يوسف، المعارض الشرس لشخص بورقيبة ونظامه، مما اضطره إلى هجر تونس واختيار حياة المنفى، عقب اغتيال بن يوسف في ظروف مجهولة سنة 1961، واستقر بطنجة إلى غاية وفاته سنة .1988 وكتب المرزوقي أن بورقيبة عجز عن الانتقال إلى الديمقراطية، بعد تحرير تونس، وكان السبب في توقيف المسار الديمقراطي الذي شرع فيه محمد مزالي، سنة .1982 وتحدّث الرئيس التونسي، في كتابه عن تعامل السلطة في تونس مع رموز الحركة الوطنية، بحيث قام بورقيبة بمحو أثار خصمه صالح بن يوسف، كما قام بمحو كل نضال الملك محمد منصف باي، وفرحات حشاد، وهو نفس السلوك الذي لجأ إليه بن علي لما صعد إلى الحكم عقب ''الانقلاب الصحي'' على بورقيبة. ويكشف كتاب المرزوقي عن صفحات مأساوية بخصوص تعامل بن علي مع شخص بورقيبة، وكيف كان يراسل زعيم تونس الجديد، مخاطبا إياه بسيدي الرئيس، ويتوسل إليه أن يعيد له حريته ويخبره في عدة رسائل، أنه لم يعد يطيق البقاء في الإقامة الجبرية، وهو ما أوصله إلى القيام بعدة محاولات انتحار. لكن بن علي حسب الرئيس التونسي، تجاهل مطالب بورقيبة وألقى برسائله في ركن مظلم بقصر قرطاج. وجاء في الكتاب: ''لما وصلت إلى قصر قرطاج، عقب انتخابي، اكتشفت أن بن علي تخلّص من كل الأشياء التي تتعلق ببورقيبة وألقى بها في أحد أركان القصر، لقد أخفى الأرشيف، الصور، الأفلام، والهدايا التي كان يتلقاها بورقيبة من مختلف رؤساء الدول، كان المكان بمثابة مغارة علي بابا''. ويعتبر كتاب الرئيس التونسي بمثابة وثيقة سياسية حول مستقبل الثورة التونسية، بعد أن وصف واقع البلاد حاليا ''بالكارثي'' الذي يحمل في طيّاته وعود بنايات، وتنظيمات وأنماط حياة جديدة. وكشف المرزوقي أنه تفاجأ ببروز التيار السلفي في تونس بعد الثورة، واعتبره ظاهرة لم يكن ينتظرها أبدا. موضحا أنه كان يعتقد بأن تيار الإسلام المتطرف سوف يختفي بمجرد زوال النظام الديكتاتوري. واعتبر أن ''السلفية غير قادرة على الانصهار في ديمقراطية الإسلام السياسي''، وهو بمثابة ظاهرة قادرة على خلق معوقات للديمقراطيات العربية الحديثة النشأة. وحسب الرئيس المرزوقي، فإن حركة النهضة التونسية تختلف عن التيار السلفي، من منطلق أنها تمثل ''إسلام الفئات الوسطى والطبقة البرجوازية، في حين تعبّر السلفية عن توجهات الفئات الفقيرة من الشعب التونسي. وعلى خلاف التجربة المصرية، رفض سلفيو تونس إنشاء حزب سياسي، والانخراط في اللعبة السياسية. مفضلين ''خيار العنف''. كما تطرّق المرزوقي إلى عدة قضايا متعلقة بالثورة التونسية، انطلاقا من فكرة ''كيف يمكن بناء ديمقراطية على أنقاض الديكتاتورية''.