اعلم أنّ للفقير آدابًا من جملتها: أن لا يكره ما ابتلاه اللّه به من الفقر، وهذا واجب عليه. وأرفع من هذا أن يكون راضيًا بالقدر، وأرفع منه أن يكون فرحًا به لأنّ اللّه رضيَ له ذلك، فإنّ الفقير إذا لبس درع الرضا سلم من حراب الجزع وأسنَّة السخط ونبال التبرم، والخير كلّ الخير في الرضا فإن لم تستطع أن ترضى فاصبر، ولو لم يكن في الفقر إلاّ أنّه باب الرضا عن اللّه لكان ذلك كافيًا لفضل الفقر على الغنى. ومن الأدب أن يظهر التعفُّف والتجمُّل ويكتم الشّكوى والفقر والحاجة، ويعلم أنّ ستر الفقر من كنوز البرّ، وأن لا يتواضع لغني لأجل غناه، قال سيّدنا عليّ رضي اللّه عنه: ''ما أحسن تواضع الغني للفقير رغبة في ثواب اللّه تعالى، وأحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة بالله عزّ وجلّ''. ومن الأدب أن لا يخالط الأغنياء ولا يرغب في مجالستهم لئلا يخالطه الطمع فيهوي في البلاء، ومن الأدب أن لا يردّ رزقًا أتاه من غير مسألة ولا استشراف نفس، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: ''مَن جاءه من أخيه معروف، من غير إشراف نفس ولا مسألة، فليقبله ولا يردُّه، فإنّما هو رزق ساقه اللّه إليه''. ومن الأدب: الكسب؛ وهو بذل الجهد بعمل يُستغنَى به عن الغير. قال لقمان الحكيم لابنه: {يا بُني استغنِ بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما افتقر أحد قطّ إلاّ أصابه ثلاث خصال: رقّة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الثلاث استخفاف النّاس به}.