تتواصل فصول القبضة الحديدية بين النظام السوري والولايات المتحدةالأمريكية بخصوص الضربة العسكرية ضد سوريا، إذ اعتبر المراقبون أن قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما تأجيل موعد الضربة إلى حين الحصول على موافقة الكونغرس، بمثابة خسران معركة لصالح النظام السوري، إلا أن ذلك لا يعني فوزها بالنظر لإصرار أوباما على توجيه ضربات "عقابية" ضد النظام للحد من قدرته على استخدام الكيميائي في النزاع المسلح مستقبلا. جاء قرار أوباما بإحالة مسألة الضربة العسكرية على الكونغرس بعدما فشل في تشكيل حلف دولي لشن الضربة العسكرية، وبالتالي سعى للحصول على موافقة ممثلي الشعب الأمريكي لضمان تأييد داخلي للتدخل العسكري بعد أن تخلى عنه حلفاؤه التقليديون بدءا من بريطانيا وألمانيا وحتى كندا، لتبقى فرنسا وحدها المساندة للضربة بغض النظر عن رفض الشارع الفرنسي والطبقة السياسية الفرنسية التي أعابت على الرئيس فرانسوا هولاند استعجاله القرار وعدم الأخذ بعين الاعتبار رأي ممثلي الشعب. ويبدو أن قرار التأجيل جعل كلا من النظام السوري والمعارضة على نفس المسافة من قرار الضربة العسكرية، باعتبار أن طرفي النزاع توجها بخطابات إلى ممثلي الشعب الأمريكي المنتظر أن يجتمعوا في التاسع من الشهر الحالي، إذ دعا نائب وزير خارجية سوريا، فيصل المقداد، أمس، أعضاء الكونغرس إلى التصرف بما أسماه “الحكمة في التعامل مع الأزمة السورية”، في إشارة إلى عدم الموافقة على إعطاء التفويض والضوء الأخضر للرئيس أوباما لتنفيذ اعتدائه على سوريا، فيما طالب بيان الائتلاف السوري المعارض أعضاء الكونغرس بدعم “توجهات الحكومة الأمريكية في توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري”، مضيفا أنه على ممثلي الشعب الأمريكي أن “يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية اتجاه الشعب السوري واتخاذ القرار الصحيح لوقف آلة قتل النظام المجرم”، على حد ما جاء في نص بيان الائتلاف المنشور على صفحته الرسمية على موقع “الفايسبوك”. ولم تتوقف مطالب الائتلاف عند هذا الحد، في تأكيد على أن إضعاف قدرات النظام السوري لن تكون كافية ما لم يحرص ممثلو الشعب الأمريكي على تزويد الجيش الحر بالعتاد العسكري الثقيل لترجيح ميزان القوة على الأرض، وذلك بعدما تأكد للائتلاف أن الضربة العسكرية لا تهدف للإطاحة بالنظام وإنما الحد من قدرته على استخدام أسلحة فتاكة ضد المدنيين. تأتي هذه المواقف فيما تواصل لجنة التحقيق الأممية أعمالها المخبرية في محاولة لتحديد هوية الطرف المسؤول عن استخدام الكيميائي في سوريا، فقد أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وهي الطرف المشرف على التحقيق، أن عملية فحص العينات التي تحصلت عليها اللجنة من مواقع المجازر في سوريا قد تستغرق أكثر من ثلاثة أسابيع، في إشارة إلى استحالة معرفة المسؤول عن استخدام الكيميائي قبل هذه الفترة، ومع ذلك أكد وزير خارجية أمريكا، جون كيري أن بلاده تتوفر على أدلة ومعلومات تؤكد استخدام غاز السارين في سوريا، وذلك بعد سلسلة من التحاليل تم انجازها على عينات من شعر ودم ضحايا مجزرة “الغوطة” في 21 أوت المنصرم، لكن كيري لم يتطرق إلى طرق تحديد المسؤول عن استخدام الكيميائي مكتفيا بتأكيد استخدامه. وهو تقريبا ذات الموقف الفرنسي من خلال تأكيد الرئيس فرانسوا هولاند أن بلاده تتوفر على أدلة تدين النظام السوري باستخدام الكيميائي، وفقا لما نشرته صحيفة “جي د ي دي” الفرنسية الصادرة أمس، إذ أكدت حصولها على تقرير صادر عن المديرية العامة للأمن الخارجي ومديرية الاستعلامات العسكرية يضم معلومات تؤكد توفر النظام السوري على ترسانة من الأسلحة الكيميائية، لكن مرة أخرى لم يرد في التقرير، المنتظر عرضه بحر الأسبوع الحالي، أي دليل على استخدام النظام السوري لهذه الأسلحة، مع العلم أن النظام في دمشق لم ينف، منذ بدء النزاع حيازته للأسلحة الكيميائية. وعلى صعيد الدول العربية، كشف وزير خارجية ليبيا، محمد عبد العزيز أمس اتساع الهوة بين مواقف وزراء خارجية الدول العربية خلال اجتماعهم أمس في القاهرة في اجتماع الجامعة العربية الطارئ على مستوى وزراء الخارجية، فقد اتضح أن المملكة العربية السعودية حاولت توسيع التحالف الذي تقوده بمعية كل من قطر، الإمارات والمغرب لدعم الضربة العسكرية ضد سوريا، فيما دافعت كل من مصر والجزائر، إلى جانب لبنان والعراق على مشروع قرار توافقي يدعو إلى إدانة استخدام الكيميائي في النزاع بسوريا وضرورة تحمل المجتمع الدولي ومجلس الأمن مسؤولياته الكاملة للتصدي لمرتكبي هذه الجريمة دون دعم التدخل العسكري تفاديا لأي انقسامات. على صعيد آخر نقلت وكالة العمال الإيرانية شبه الرسمية، أمس، عن الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني قوله إن الحكومة السورية الحليف القوي لطهران نفذت هجمات بأسلحة كيماوية ضد أفراد شعبها، ونقلت الوكالة عنه قوله “كان الشعب هدفا لهجمات بأسلحة كيماوية من قبل حكومته والآن يتعين عليه كذلك انتظار هجوم من الأجانب، شعب سوريا تحمل الكثير من الأضرار في هذين العامين”. غير أن مكتب الرئيس الإيراني الأسبق سارع لتكذيب هذه التصريحات، معتبرا أن ما ورد في بعض وسائل الإعلام عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا “محض افتراء”.