يمكن أن نفهم التغييرات التي حدثت في جهاز المخابرات الجزائرية على أنها عملية ”دوش داخلي”، قام به هذا الجهاز لتطهير نفسه، ومن هذه الزاوية فإن العملية إيجابية.. وأن المصلحة طبّقت على نفسها المثل القائل: ”بيدي لا بيد عمرو”! خاصة أن ما حدث لمخابرات ليبيا ومخابرات مصر وقبلها مخابرات شاوسيسكو، لاتزال صورة ماثلة للعيان.. حيث عبث البلطجية في مصر بأوراق المخابرات في الشوارع.. وفتش الشباب الثائر في بوخارست عن رجال السكريتات الشاوسكيين في أقبية قصور الحكم، وعبث الذي يسوى والذي لا يسوى بلحية رئيس جهاز مخابرات القذافي. من هذه الزاوية يمكن أن نفهم بأن ما جرى في الجزائر هو بالفعل ربيع أمني داخلي قام به الجهاز ضد نفسه.. وهو الجهاز الذي كان دائما يتولى تنظيف غيره.. فلا مانع أن يقوم بتنظيف نفسه.! لا أحد ينكر أن الفساد الذي عرفه قطاع الصحافة والإعلام في الجزائر مثلا، كان وراءه الجهاز المكلف بهذا القطاع في مصلحة (D.R.S)، حتى ولو كان بعضهم يقول إن ما حدث من تجاوزات في هذا القطاع، كانت مصلحة بن عكنون التي حلّت تنفذ هذه السياسة وليست هي واضعتها؟! والقول أيضا بأن حلّ الشرطة القضائية التابعة ل (D.R.S) كان بسبب معالجتها ملفات الفساد بانتقائية واضحة، هو أيضا من الأقوال التي يصح فيها قولان؟! شيء جميل أن ”تدوش” ال (D.R.S) نفسها، وجميل أيضا أن يتعرض هذا الجهاز للمساءلة والحساب حتى ولو كان ذلك من طرف الجهاز نفسه.! لكن الربط بين ما حدث من تغييرات في هذا الجهاز والصراع حول كرسي الرئاسة هو الذي يثير القلق.! فهل إبعاد الذين مارسوا الفساد أو حاربوا الفساد يعد تورطا مبكرا في رسم مستقبل الرئاسيات القادمة؟! هل معنى ذلك أن من أساء إلى عبد المؤمن خليفة وإلى شكيب خليل وعاشور عبد الرحمن وجماعة سوناطراك وسونلغاز والاحتياطات الفلاحية والبيارسي والطريق السيار، قام بعمل غير وطني ويستحق العقاب؟! ومعنى هذا الكلام أن عبد المؤمن خليفة على حق حين قال بأن قضيته ليست قضية فساد بل قضية إبعاده عن منافسة بوتفليقة على الرئاسة؟! هل معنى هذا أننا قد نشاهد عبد المؤمن خليفة رئيسا للجزائر ونشاهد شكيب خليل رئيس حكومة.. ونشاهد عاشور عبد الرحمن رئيس مجلس الأمة ونشاهد..؟! أليس من الأفضل لنا أن نحلم بأن ما حدث في (D.R.S) هو خطوة جريئة على طريق الإصلاح الجدي.. ألم يقم الشاذلي بن جديد بتغييرات مماثلة عشية الانتخابات التي ألغيت سنة 1992؟! وأدت إلى إلغائه هو أيضا؟! ألا تتذكرون حكاية الفساد في حاشية الشاذلي وعائلته (قضية موحوش)، ألا تشبه ما يحدث الآن.. أدعوكم للتأمل فقط.