لا شيء يجمع بين شخصيات فيلم "سطوح باب الواد" للمخرج الجزائري مرزاق علواش سوى المكان الذي يعيش فيه هؤلاء البشر اليائسون الذين يحيون ويموتون فوق تلك السطوح المطلة على البحر بينما تضيق المدينة البيضاء بهم كما يضيق الأمل في بلد متروك لخيبة الظن بعد سنوات العنف والضياع.وينتقد المخرج في فيلمه جزائر اليوم عبر كوميديا سوداء ساخرة وصادقة، وكذلك النفاق والزيف المجتمعي والديني في عاصمة يقف شبابها على حافة الموت والانهيار والجنون.في "سطوح" الذي يشارك في المسابقة الدولية لمهرجان ابو ظبي السينمائي للفوز بجوائز اللؤلؤة السوداء الى جانب اربعة عشر فيلما دوليا ، يعود مرزاق علواش لتناول العاصمة وتحديدا حي باب الواد الشعبي الذي ولد فيه وصوره في اكثر من عملواوضح مرزاق علواش قبيل عرض فيلمه مساء الجمعة "صورت +سطوح+ في خمسة عشر يوما بكلفة بسيطة وكاميرا رقمية صغيرة مع اربعين شابا" مجددا التأكيد ان الشباب الجزائري لا يملك شيئا وانه يريد الاعتماد على طاقة هؤلاء الشباب ليجدد في عمله السينمائي وليقترب اكثر من الواقع.وقد ادى عدد من الممثلين الشباب الذين سبق وشاركوا في عمليه السابقين ادوارا في العمل الجديد ومن ابرزهم عديلة بن دمراد ونبيل العسلي الذي لعب دور البطولة في "التائب" فيلم علواش السابق.ويقدم الفيلم رؤية شديدة الارتباط بالواقع الجزائري العبثي الحزين في بلد يحبط مشاريع أهله جميعا بينما ترتكب جميع الجرائم باسم من يدعون الدين والايمان مثل الشيخ الذي بحجة الوعظ يقارب النساء او الاسلاميين الذين يتاجرون بالحشيش الافغاني.عبر قصص خمس مجموعات من الشباب يصور علواش شرائح المجتمع الجزائري ويقدم بورتريه لعاصمة بلد عربي متوسطي يتخبط بالفراغ والعنف على ايقاع الصلوات الخمس التي ترتفع بمواقيتها من مآذن الاحياء الشعبية في العاصمة.وعلى مدى اليوم تنطلق فصول الفيلم من الاذان الذي يعلو لتصور الانسان الجزائري وهو يقتل ويغتصب ويسرق ويضرب اقرب الناس اليه بين دعوة واخرى للصلاة.فيسقط الشباب مجددا في دائرة العنف مهما حاول التسلل الى خارجها بينا يسخر الدين للمصالح الشخصية ويسيطر الفساد على مدينة محكومة بماضيها من الاستقلال الى اليوم.وقد استفزت هذه الرؤية السينمائية الجريئة والثاقبة لجزائر اليوم بعض الحضور ممن اتوا مزنرين بالعلم الجزائري معتبرين ان الصورة التي قدمها علواش عن بلادهم "مسيئة وغير ايجابية".ورد علواش على منتقديه مدافعا عن الفيلم الذي كان حاز دعما على انجازه من وزارة الثقافة الجزائرية، بانه سيصور جزائر جميلة متى تصبح بلاده جميلة. وقال : "نحن في الجزائر لدينا مشكلة مع صورتنا منذ بوضياف الى اليوم ولا نستطيع النظر الى انفسنا"."سطوح" هو الفيلم الثالث للمخرج للعام الثالث على التوالي وفيه عاد للعاصمة الجزائر بعدما صور فيلمه "التائب" العام الماضي في وهران منتقدا فيه "قانون المصالحة الوطنية" الذي عفا عن مجرمي السنوات السوداء في الجزائر فيما تناول فيلمه "نورمال" تساؤلات شباب الجزائر في مواجهة "الربيع العربي".واعتمد علواش المخضرم في الافلام الثلاثة نهجا خاصا يقضي بالتصوير بابسط المعدات والامكانيات وعبر كاميرا رقمية صغيرة مع شباب من الفنانين المتحمسين والراغبين بالعمل باجور بسيطة بدل انتظار الدعم المالي.الا ان هذا النهج ضمن لعلواش على مدى عامين متتاليين (2011 و2012) الجائزة الكبرى في مهرجان الدوحة -ترايبكا. وكان "سطوح" الفيلم العربي الوحيد الذي شارك في المسابقة الرسمية في مهرجان البندقية الاخير.وجاءت افلام علواش الثلاثة الاخيرة بعد انقطاع طال عن صنع الافلام لكنها ووجهت بنقد عنيف في صحف الجزائر.وكان علواش احد ابرز المخرجين الجزائريين والعرب، استهل مسيرته الفنية بفيلم "عمر قتلته الرجولة" (1976) الذي تحول الى علامة في تاريخ السينما العربية وقدم في عشرات المهرجانات من تاريخه الى اليوم. ويعيد مهرجان ابو ظبي عرضه السبت في نسخة مرممة ضمن تظاهرة "الفيلم الاول".