انطلق، أمس، بمدينة "مونترو" السويسرية مؤتمر الحل السياسي في سوريا، الذي طال انتظاره، حيث جلس لأول مرة منذ بدء النزاع الفرقاء السوريون إلى طاولة الحوار برعاية المجموعة الدولية من حلفاء المعارضة والنظام السوري، وإن سُجل غياب معارضة الداخل ممثلة في هيئة التنسيق، فيما كشف تداول الكلمة الافتتاحية عن مدى تباعد المواقف، ومن ثمة صعوبة مهمة تقريب وجهات النظر وإيجاد أرضية انطلاق للبحث عن حل سياسي، ما ينبئ بفترة طويلة من الحوار قد تمتد إلى ما بعد المؤتمر، للتوصل إلى حل يُنهي النزاع المسلح. بينما يُنتظر استئناف جلسات الحوار، السبت المقبل، في مدينة جنيف، أبانت كلمات الافتتاح عن مدى التباعد في المواقف، بلغ حد التناقض. ففي الوقت الذي يتحدث فيه الوفد السوري المكون من وزير الخارجية وليد المعلم، ومستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، ووزير الإعلام عمران الزعبي، عن ضرورة تكثيف الجهود الدولية من أجل ما أسماه “مكافحة الإرهاب والتطرف في بلاده وفي المنطقة والضغط على الدول الداعمة لهذا الإرهاب”، وهو ذات ما ذهب إليه وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، جاءت كلمة وزير خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية، جون كيري، للتأكيد على حتمية تنحي الأسد، وهو نفس موقف رئيس الائتلاف السوري المعارض، أحمد الجربا ومن يدعمه ممن حضروا المؤتمر، وفي مقدمتهم وزير خارجية المملكة العربية السعودية ووزير خارجية فرنسا وبريطانيا، الذين أجمعوا من جانبهم على ضرورة التوصل إلى “مرحلة انتقالية لا يكون الأسد طرفا فيها”، الأمر الذي اعتبره وليد المعلم، تدخلا سافرا في الشأن الداخلي السوري، مشيرا في كلمته، التي استغرقت أكثر مما كان مسموحا به له، أن “الشعب السوري وحده المخول للفصل فيمن يحكمه”. في المقابل، شددت كلمات بقية الوفود الحاضرة في مؤتمر جنيف 2 والممثلين عن أربعين دولة مشاركة على ضرورة الإسراع في إيجاد حل للنزاع المسلح من أجل إنهاء معاناة الشعب السوري، من خلال التوصل إلى وقف إطلاق النار وتسهيل مهمة البعثات الانسانية للتخفيف من المعاناة الإنسانية، الأمر الذي يرى المراقبون أنه الأولوية في الوقت الحاضر، في تأكيد على أن مهمة إنهاء الأزمة السورية لن تكون فورية، ما يجعل التركيز على خطوات أولية من قبيل وقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة لمساعدة المدنيين المحاصرين في مناطق النزاع، إلى جانب السماح للاجئين بالعودة إلى المناطق الآمنة وإطلاق سراح المعتقلين، باعتبارها خطوات لبناء جسر الثقة، على أن يتواصل الحوار عبر قنوات رسمية وغير رسمية. بهذا الخصوص، يرى المتابعون للشأن السوري أن الحل لن يكون نهائيا إلا في ظل التوصل إلى اتفاق بين القوى الإقليمية الداعمة لطرفي النزاع، ولا يقتصر الأمر على الولاياتالمتحدةالامريكيةوروسيا فقط، وإنما يمتد ليشمل كلا من إيران والمملكة العربية السعودية، باعتبار أن الرياض باتت ترى في تحقيق نظام دمشق أي انتصار بمثابة انتصار لطهران التي تنافسها على زعامة المنطقة الإسلامية وتأمل في مد نفوذها إلى المنطقة العربية، لذلك يؤكد المراقبون أن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من التحركات الدبلوماسية لكل من موسكو وواشنطن من أجل إيجاد صيغة تقارب أو تفاهم بين المملكة السعودية والجمهورية الإيرانية حتى يتسنى للفرقاء السوريين التوصل بدورهم إلى حل شامل للنزاع المسلح. من جانب آخر، تذهب المؤشرات إلى الاعتقاد أن العواصم الغربية ستزيد، في الفترة القادمة، من ضغوطها على المعارضة السورية التي تحظى بدعمها، في محاولة للتأكيد على تماسك المعارضة وقدرتها على المشاركة في المرحلة الانتقالية، بعدما تأكد تزايد حجم الخلافات في صفوف المعارضة التي زادت انشقاقا بفعل المشاركة في مؤتمر الحل السياسي، إذ تم نعتها ب«الخيانة” وعرفت سلسلة من الاستقالات. ولم يقتصر الأمر على انسحاب شخصيات سياسية، وإنما بلغ إلى سحب جماعات معارضة مسلحة ثقتها من الائتلاف، ما يزيد من احتمال عدم سيطرة هذه المعارضة على المعارك الدائرة ميدانيا، وبالتالي عدم مصداقية تمثيلها للثورة السورية.