بإعلانه عدم الترشح للرئاسيات لم يؤشر مولود حمروش بأن ”اللعبة مغلقة” فحسب، بل أيضا أن هذه الرئاسيات بالرابعة أو من دونها، لن تُخرج الجزائر من وضعية عنق الزجاجة، بسبب الانقسام الحاصل ليس فقط بين رموز سرايا النظام، وإنما داخل المؤسسات الدستورية. وبعيدا عن الأسباب والمبررات التي قدّمها رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش في رفضه دخول معترك 17 أفريل المقبل، فإن عدم تواجد حمروش أو غيره من الشخصيات الوطنية ضمن قائمة المتسابقين، حتى ولو شكليا، سينقص من حجم ”المنافسة” الانتخابية، ويزيدها برودة عن الجمود الذي تعيشه، قبل 5 أيام فقط عن غلق باب الترشيحات رسميا، وقد اقتصر السباق فيها على ”الأرانب”. وبغضّ النظر عن حظوظ حمروش من عدمها في الفوز، أمام غياب مركز سبر للآراء وفي ظل الأوضاع المحيطة بهذه الرئاسيات، فإن مجرد اعتذاره عن التقدّم لها، مهما كانت مبرراته، فإنها تمثّل، بشكل أو بآخر، دقّا لمسمار في نعشها وضربة أخرى لمصداقية هذه الانتخابات حتى قبل إجرائها، بعد إعلان أحزاب فاعلة وشخصيات عن مقاطعتها، خصوصا بالنسبة للخارج الذي يتابع عن قرب كل كبيرة وصغيرة حولها. فتراجع شخصية مثل حمروش عن نية الترشح ليس مثل انسحاب جيلالي سفيان من الرئاسيات أو غيره، فحمروش ابن ”السيستام”، وأي خطوة منه في أي اتجاه لها مدلولها وتعكس وجهة نظر موجودة داخل سرايا النظام، وتحمل مؤشرا بالنسبة للأحوال ”الجوية” في البلد عن الجهة الذي تهبّ منها الرياح. كما أن عدم ترشح حمروش، الذي قال بأنه ”لن يترشح ضد مرشح النظام”، لا يعني فقط أن اللعبة الانتخابية مغلقة، بل تعني بالنسبة للمنظمات الحقوقية غير الحكومية والملاحظين الأجانب أنها دليل عن بعد الانتخابات الجزائرية عن المعايير الديمقراطية، وبالتالي فإن الفائز بها سيخرج منها أضعف حتى من ذي قبل، ليس فقط لتشكيك المعارضة في نتائجها ”المحسومة سلفا”، ولا في احتمال تدني نسبة المشاركة وتصاعد حجم العزوف الشعبي حيالها، وإنما في تحوّلها إلى ”مشكل” أكثر منها إلى ”حلّ”، جراء تنظيمها في غياب ”توافق” حولها داخل سرايا النظام وتصادم بين المؤسسات حول مرشحها، وهو أمر لم يكن على الأقل موجودا من قبل. وإذا كان المنطق الديمقراطي ظلّ مغيبا في كل المواعيد الانتخابية، بإيعاز من النظام القائم، منذ بداية التعددية قبل 25 سنة خلت، فإن هذه الرئاسيات كشفت أيضا أن حتى ”التوافق” الضيق بين رموز الحكم لم يعد ممكنا تحقيقه، وهو الحد الأدنى، ما يعني أن الخلاف سيبرز يوم 18 أفريل ويعود للواجهة مجددا. حمروش يتكلم عن ”أزمة داخل النظام”، وهذه الأزمة التي ولّدتها شبكة الولاءات وتصادم المصالح داخل مؤسسات الرئاسة والمؤسسة العسكرية ونفوذ سلطة المال والفساد وتزاوجه بالسياسة، بدأت تنذر بتآكل الركائز التي تقف عليها الدولة وليس النظام فقط، وليس هناك مخرج آخر خارج الرمي بالثورة للشارع يحملها الشعب، من خلال تمرير المشعل لجيل جديد غير مكبّل بالضغائن والأحقاد بسبب سنوات السلطة وريعها.